عندما تم توقيع تفاهم معراب أصيب الوسط السياسي بما يشبه الاحباط فالخلاف المسيحي المسيحي كان حاجة ملحة بالنسبة الى فريق سياسي واسع كان يستغل التباين بين المسيحيين للضرب والتمعن في التهميش وإخراج المسيحيين من المعادلة، فالتفاهم بين معراب والرابية أزعج المتضررين من الحلة المسيحية الموحدة لأنه طوى صفحة طولة من الماضي الأليم والخلافات السياسية التي دمرت المجتمع المسيحي، وعندما انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية اصبح احباط الفئة السياسية نفسها أقوى واكبر أولاً بسبب شخص رئيس الجمهورية ومواقفه السياسية وعناده ولأن جزءاً من الخطاب الوطني الشامل لرئيس الجمهورية يستدعي حتماً تحقيق التوازن السياسي بين اللبنانيين، فليل 31 تشرين الأول تغير المشهد المسيحي كثيراً، قصر بعبدا المهجور استعاد بريقه ووهجه يوم عاد اليه «الجنرال» الذي أخرج منه بالقوة ليعود اليه بالقوة الشعبية نفسها وبزخم اكبر، تغير المشهد كثيراً في القصر «حياة سياسية متسارعة « وكأن رئيس الجمهورية في سباق مع الزمن او كأنه يحاول ان يلتقط كل لحظة للتعويض عن الفراغ القاتل الذي اصاب كل الوطن وخصوصاً المسيحيين… فانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وفق اوساط مسيحية أخرج المسيحيين في الشكل اولاً الى دائرة الضوء مجدداً، وكان من الطبيعي ان تتلاحق التغيرات، فالرئيس المسيحي الاقوى شعبياً وتمثيلياً في التوقعات من شأنه ان يغير الكثير في قواعد اللعبة الداخلية والمسار السياسي العام ويبدِل التعامل الذي كان سائداً في الحقبات الماضية مع المسيحيين باخراجهم من حالة التهميش والغبن الذي لحق بالمسيحيين منذ الطائف وعلى مدى الحقبات السابقة.اولى الخطوات الرئاسية تمثلت في تسريع الولادة الحكومية، وهكذا أبصرت حكومة سعد الحريري بسرعة قياسية لم تحصل في الحكومات السابقة، ووضع رئيس الجمهورية في حساباته الانفتاح على الجميع بدون استثناء داخلياً وخارجياً فكانت زيارات لافتة في الشكل والمضمون الى السعودية وقطر، فيما كان الاهتمام الرئيسي منذ اللحظات الأولى للعهد يتركز على قانون الانتخابات لاطلاق التغيير وفق قانون عادل ومتوازن وعلى التعيينات الأمنية والعسكرية التي أقرت ولاقت انتقادات لم توفر العهد منها بالتفرد واستئثار رئاسة الجمهورية او فرض التعيينات في مجلس الوزراء.
وبدون شك فان ورشة القانون الانتخابي التي اطلقها العهد الجديد بعدما قطع رئيس الجمهورية وعداً رئاسياً بانجاز قانون جديد والا الذهاب الى الفراغ هي ام المعارك التي يخوضها العهد لانجاز القانون المثالي وبدون شك فان التيار الوطني الحر الذي اسسه رئيس الجمهورية هو الذي يخوض مع رئيس الحكومة وحزب الله ورئيس المجلس النيابي التفاصيل المتعلقة بعدما قدم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مسودة قانون «أكثري ونسبي» لم تتضح بعد معالم قبوله او الرضى عنه وحيث تقوم القوى السياسية بتشريحه لمعرفة مدى ملاءمته لوضعيته السياسية.
ولعل أكثر ما يزعج المعترضين في مشهد معركة قانون الانتخاب، ليس انتاج قانون انتخابي يعيد التمثيل المسيحي الى سابق عهده بل مشهد التناغم بين التيار الوطني الحر والقوات في الموضوع الانتخابي، بدون شك فان الثنائية المسيحية تخوض بعد معركة الحكومة التي خيضت لانتزاع ما يلزم من حصص لتفاهم معراب ، وتتعرض الثنائية مؤخرا الى محاولات اطلاق النار للتصويب على تفاهماتها تارة بالتصوير انها تسعى لإلغاء الآخرين او بالتصويب على خلافات بين القوات والتيار بدأت طلائعها من مؤتمر اعلان ترشيح فادي سعد في البترون وسبقها ما عرف بالأزمة الكهربائية واعتراض القوات على تغييبها او عدم أخذ بركتها على التعيينات، وتصل الاشاعات الى وضع سيناريوهات «افتراق» عند حلول ساعة الاستحقاق.
وبغض النظر عما ستؤول اليه العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات فان المؤكد كما تقول اوساط مسيحية ان رئيس الجمهورية حريص على عدم تعريض تفاهم معراب للاهتزاز او قلب الطاولة على ما تم انجازه وساهم بترييح الساحة المسيحية، صحيح ان التفاهم بين التيار والقوات ليس حصرياً لكنه ساهم بتحقيق مكاسب مسيحية لا يجب التفريط بها، فالقوات ساهمت ومن الاطراف والعوامل التي لعبت دوراً في وصول ميشال عون الى قصر بعبدا، التيار الوطني الحر فاوض وخاض معركة توزير القوات في حكومة سعد الحريري فلماذا الافتراق الآن، طالما ان المعركة الكبرى التي ستعيد التمثيل المسيحي الى سابق عزه وقوته سيكون في الانتخابات النيابية. فازالة الاحباط المسيحي والتخلص منه نهائياً لا يكون الا بقانون انتخابي جديد لكي لا يكون انتقال ميشال عون الى قصر بعبدا حصل فقط «بالجسد».
ولا تنفي الاوساط الحرص المسيحي على رعاية وتحصين تفاهم معراب وبان الفريقين العوني والقواتي اليوم يشبهان نموذج الثنائية الشيعية بين حزب الله وحركة أمل التي استطاعت في العهود السابقة ان تريح شارعها وجمهورها، فتماسك الثنائية الشيعية حوّلها الى كتلة متراصة يصعب اختراقها وتقليد او استنساخ الثنائية الشيعية من قبل المسيحيين يقوي الصف المسيحي ويعطيه المناعة السياسية التي فقدها. وتتساءل الاوساط «ما هو العيب او الخطأ في المسألة ولماذا ممنوع على المسيحيين ان يتفقوا وان يتحولوا الى قوتين «عظمتين» على غرار أمل وحزب الله او الى محادل انتخابية تشبه المحادل الأخرى لدى كل الطوائف، ولماذا يمنع على رئيس الجمهورية ان يعين قائداً للجيش معروف بمناقبيته العسكرية وسيرته ومؤهلاته واين الضرر من تعيين مدير عام للكازينو محسوب على العونية السياسية فيما كل المراكز في الدولة موزعة بين الكتل السياسية، فهل المطلوب ان يكون رئيس الجمهورية مجرد «رمز» او «حاجب» في قصر بعبدا؟
وترى الاوساط ان العهد يتعرض لحملات منظمة في شأن مواقفه من حزب الله ودعمه لسلاح المقاومة وفي شأن خوضه معركة تمثيل المسيحيين في الدولة وتحقيق التوازن مع الآخرين وغيرها من المعارك التي يتصدى لها بموضوعية وحكمة وبمحاصرة الاضرار بالقدر المستطاع، فالمعركة السياسية اليوم ليست معركة قانون الانتخاب وحده بل هي معركة ما بعد الانتخابات، فالقوى السياسية تتطلع الى ما بعد القانون والى المرحلة السياسية فيما بعد، وما لا يعرفه «المعرقلون» ان رئيس الجمهورية خبير في المعارك الانتخابية ولا يتراجع مهما احتدت المواجهة. وثمة ملفات اكثر خطورة تستعدي الاستعداد لها كملف الارهاب الحاضر دائماً وبدون شك فان انجاز التعيينات كان ضرورياً لمواكبة اي خلل أمني، عدا ملف النزوح الذي يشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر في اي لحظة باللبنانيين، وقد كان التيار الوطني الحر من منبر الرابية الصوت السياسي الاعلى بين القوى السياسية والاكثر ارتفاعا لمعالجة الازمة بالمطالبة بمناطق آمنة لعودة النازحين حتى لا يتحول النازحون من بلادهم الى متفجرات قد تنفجر في اي وقت في مكان استضافتهم ونزوحهم، وحتى لا يكون تم معالجة الاحباط الداخلي ويتم تجاوزه فتكون البلاد امام مرحلة الانتقال من احباط آخر أكثر خطورة ودراماتيكية.