طائرات إسرائيليّة مفّخخة تستهدف ليل الأحد الماضي الضاحية الجنوبيّة لبيروت، شكّل الأمر صدمة وتغييراً كاملاً في مسار العدوان الإسرائيلي على لبنان، أمين عام حزب الله حسن نصرالله على حقّ «هذا الخرق سيؤسس لمسار خطير ضد لبنان»… وهو على حقّ أيضاً في أكثر من نقطة تناول فيها العدوان الإسرائيلي الجديد من نوعه على لبنان، واختلافنا مع أمين عام حزب الله في كلّ تفاصيل مشروعه وأجندته وسياسات حزب لا تحتاج إلى توكيد، ولكن، إذا أراد أي مواطن لبناني أن يكون صادقاً مع نفسه في لحظة العدوان هذه على لبنان سيجد أنّ حسن نصرالله على حقّ.
ثمة إجماع على استنكار وشجب ورفض العدوان الإسرائيلي على لبنان عبر استهداف الضاحية الجنوبيّة، لم يبقَ مسؤول واحد إلا وسارع لشجب هذا الاعتداء، ثمّ هناك أجماع على ضرورة مواجهة هذا العدوان بوحدة وطنية في وجه العدوّ، وهذا أمرٌ محقّ ودقيق، فأي انقسام داخلي يخدم العدو الإسرائيلي وحده، أمّا الحديث عن الردّ على هذا العدوان يجب أن يأتي من الدّولة يجعلنا نتوقّف جديّاً لنطرح السؤال: كيف؟ إذا افترضنا أنّ القيادات السياسيّة والمسؤولين هم صادقون مع أنفسهم أوّلاً ومعنا كلبنانيّين ثانياً، وإذا افترضنا أنّنا نحن أيضاً صادقين مع أنفسنا فسنطرح السؤال كيف ستردّ الدولة على هذا العدوان؟ بالطّبع نحن نعرف عجزنا كدولة وأنّ «دعاة» حصر حقّ الردّ بالدولة اللبنانيّة فقط، يدركون أكثر من سواهم أنّ أقصى ردّ قد يصدر عن هذه الدولة هو التقدّم بشكوى إلى مجلس الأمن ضدّ إسرائيل وعدوانها، وهكذا أمر لا يعني شيئاً لإسرائيل فهي في الأساس لا تقيم اعتباراً لا لمجلس الأمن ولا الأمم المتحدة ولا قراراتها وفوق هذا هي شكوى لن توصلنا إلى مكان ولا إلى حقّ ولا باطل أيضاً، وأنّنا مع هكذا ردّ سنجد أنفسنا يومياً أمام طائرات العدوّ المسيّرة المفخّخة تستهدف المناطق الآمنة تماماً كما كانت السيارات الإرهابيّة المفخخة تستهدفنا، ولا نظنّ أن أحداً يريد للبنانيين أن يصلوا إلى هذا الحدّ من الذّعر العام الذي سيخرق ليالينا ونهاراتنا!
وإذا أراد البعض أن يتأكّد من طريقة الدول الكبرى في التعامل معنا كدولة ما عليه إلا أن يستقرأ المكالمة الهاتفيّة التي أجراها وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو مع رئيس حكومة لبنان سعد الحريري بالأمس مطالباً إياه بـ»تجنب أيّ تصعيد والعمل مع الأطراف المعنية كافّة لمنع أيّ شكل من أشكال التدهور»، على أساس أننا نحن من بدأ التصعيد وخرق القرار 1701، وبمعنى آخر المطلوب أن يُعتدى علينا وأقصى ما يحقّ لنا للدّفاع عن أنفسنا هو «تجنّب التصعيد»!!
إسرائيل لا تفهم إلا لغة الخوف والقلق، ولا تحسب حساباً إلا لمن لا يخافها ويعرف حجم ضعفها وجبنها، لمرّة أولى وواحدة وبعد مسار طويل من الاختلاف مع حزب الله وأمينه العام في كلّ سياساته وجدتُ نفسي بالأمس مؤيّدة لموقفه الذي أعلنه بأنّه «من الآن وصاعداً نحن سنواجه المسيّرات الإسرائيليّة في سماء لبنان وسنعمل على إسقاطها وليأخذ الإسرائيلي علماً بذلك»، وفي هذه النقطة تحديداً وانطلاقاً من حقّنا في الدّفاع عن أنفسنا كدولة لا كميليشيا، المطلوب من نصرالله أن يُنسّق هذه المواجهة العامّة مع الدّولة اللبنانيّة المعنيّة أوّلاً وأخيراً بالدّفاع عن لبنان وشعبه أمام العالم بأسره.
وإذا كانت الوحدة الوطنيّة مطلوبة في مواجهة العدوان الإسرائيلي على أعلى المستويات، فإنّ هذا العدوان الذي تعرّض له لبنان في قلب الضاحيّة الجنوبيّة هو الفرصة المثلى لتحقيق الاستراتيجيّة الدّفاعية، وإعادة قرار الحرب والسّلم إلى الدولة اللبنانيّة، غير هذا ـ ومع قناعتنا التامّة بموقف نصرالله بضرورة الردّ على العدوان الإسرائيلي ـ نجد أنّه سيكون حسن نصرالله الخاسر الأكبر في حال قرّر مجدداً الاستفراد بقرار الحرب والسّلم، وإلقاء دولة لبنان وجيشه وشعبه في سلّة مهملات الأجندة الإيرانيّة!