لا الحكومة طلبت ولا المنظمة الدولية تحركت لإعادة النازحين
باتت مسألة اعادة النازحين السوريين الى ديارهم عامل انقسام اضافي بين القوى السياسية وداخل الحكومة، بين مطالب بالتفاوض والتنسيق مع السلطات السورية حول هذا الموضوع حصراً باعتبار الجيش السوري بات يسيطر على اجزاء واسعة من البلاد وباتت مستقرة الى حد كبير، وبين رافض اي نوع من التفاوض تحت اي ذريعة حتى لا يشكل ذلك اعترافاً سياسياً بالنظام، وهي اشكالية لا بد من حلها طالما ان كل الاطراف باتت تشكو من عبء ازمة النزوح على كل الصعد، وبدأت تحركات الرفض لوجودهم تصدر من مناطق كانت منذ بدء الازمة السورية الحاضن الاكبر للنازحين كعكار والبقاع الاوسط والغربي مثلاَ، ولسبب اقتصادي- اجتماعي بحت وليس سياسياً او عنصرياً، حيث ان الشكوى هي من منافسة اليد العاملة السورية ومنافسة الانتاج السوري لليد العاملة اللبنانية وللانتاج اللبناني.
وطُرحت اعادة السوريين الى ديارهم بعد مطالبة لبنان رسمياً قبل سنتين ومن المنابر الدولية سواء في الامم المتحدة حيث كان يشارك في اعمالها الرئيس تمام سلام، او في مؤتمرات وزراء الخارجية، بالعمل عل اعادة النازحين او من يرغب منهم الى المناطق التي باتت مستقرة، وذلك بعد استعادة الجيش السوري لكامل مدينتي حلب وحمص ومعظم ضواحي وريف دمشق، لكن تفاقم الخلاف الاقليمي والدولي ايضاً حول تحديد المناطق الامنة او المستقرة في سوريا، دفع الى تأجيل البحث بموضوع العودة، وبالعكس، بات المجتمع الدولي يدفع اكثر باتجاه ابقائهم في مناطق تواجدهم، وهو ما صرح به العام الماضي الامين العام السابق للامم المتحدة بان كي مون ولاقى رفضاً من لبنان وقتها، بل استياء رسمياً لوجود مخطط توطين مبطن للنازحين.
والحاصل الان ان الحكومة منقسمة حول التفاوض مع سوريا، ورئيسها سعد الحريري وقوى اخرى معه يرفضون التفاوض بحجة انها مسؤولية الامم المتحدة، بينما لم يتخذ لبنان حتى الان قراراً رسمياً ولم يوجه طلباً رسمياً الى الامم المتحدة ولا الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ولا الى الدول المانحة ولا سيما الاتحاد الاوروبي، من اجل التفاوض والتنسيق مع السلطات السورية للبحث في إعادة النازحين، واكتفى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بإبلاغ مفوض الامم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي « أن على المجتمع الدولي أن يعمل لتسهيل عودة هؤلاء النازحين الى بلدهم عبر إقامة أماكن آمنة في سوريا لاستقبالهم، بالتنسيق مع الحكومة السورية». مع ان السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي ابدى امس الاول في مقابلة اذاعية استعداد سوريا للبحث في هذا الموضوع سواء مع لبنان او مع اي جهة دولية. لكن لم تبذل الحكومة ولا اي فريق سياسي فيها اي جهد حقيقي للاتصال بالجهات الدولية والطلب منها رسمياً.
وفي حين تؤكد مصادر مفوضية شؤون اللاجئين ان ليس من مسؤوليتها التفاوض السياسي بل مهمتها حصراً هي رعاية اللاجئين حيث هم في لبنان، تُظهر الوقائع والمعلومات والاحصاءات المتوافرة لدى المفوضية ان اكثرية النازحين هم تحت خط الفقر الشديد، وهذا يعني ان الدول المانحة لا تقوم حتى بواجباتها في توفير الدعم اللازم الكافي للبنان ومجتمعاته المضيفة من اجل رعاية النازحين، ما زاد الاعباء عليه وعليهم، ودفع بعضهم للتحول نحو التنظيمات المسلحة التي تتخذ من بعض مخيمات النازحين بيئة حاضنة ولوجستية للارهابيين كما اظهرت مداهمات الجيش في مخيمات عرسال.
وعلى خطٍ موازٍ كانت المعلومات تفيد عن عودة اكثر من خمسين الف نازح خلال الاسابيع القليلة الماضية من الاردن وتركيا الى مناطق آمنة في سوريا وتقع تحت سيطرة النظام، فكيف يُسمح هناك بتسهيل عودة عشرات الاف النازحين، وتوضع في لبنان عقبات وشروط من بعض القوى السياسية ومن المجتمع الدولي بحجة انه لم يتم بعد تحديد اين هي المناطق الامنة؟؟علماً ان وحدات من الجيش اللبناني امنت قبل مدة قصيرة عودة مئات النازحين من مخيمات عرسال الى مناطق القلمون في سوريا لا سيما الى عسال الورد، وحالت التنظيمات الارهابية حتى الان دون عودة مئات العائلات الاخرى لأنها باتت تتخذهم رهائن ودروعاً بشرية بعد الانهيارات العسكرية في صفوفها.
وهنا بات السؤال مطروحاً بالحاح: هل ان مصلحة لبنان هي الاولى ام مصالح وحسابات القوى المحلية والاقليمية والدولية؟ ولماذا ربط عودة النازحين ومصلحة لبنان وشعبه بانتظار قرارات اممية قد لا تأتي قريباً؟ ولا يكفي قول بعض المسؤولين أن «الدولة اللبنانية لم تغلق حدودها يوما بوجه عودة النازحين وهي ترحب بعودتهم»، فإذا كانت بعض القوى السياسية لا ترغب بالتفاوض مع سوريا، فثمة قنوات اخرى محلية امنية وسياسية قادرة على التواصل، ولعل المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم ينتظر الضوء الاخضر الرسمي ليتحرك في هذا المجال، بعدما قام بمهمات عديدة سابقاً مع السلطات السورية لحل مشكلات امنية، ومنها عملية تحرير راهبات معلولا ومبادلتهم بموقوفات سوريات مقربات من قيادات المسلحين.