الى سلسلة القوانين والمشاريع التي يستعد مجلس النواب والحكومة لإطلاقها تنفيذاً لـ»وثيقة بعبدا»، تتجه الأنظار الى الانتخابات النيابية الفرعية الملزمة في دائرتي طرابلس وكسروان – الفتوح لملء ثلاثة مراكز شغرت لأسباب مختلفة، ما يجعلها واجبة الوجوب بالمنطق الدستوري. فهل ستجري؟ وأيّ ظروف دستورية أو سياسية تحكمها؟ وهل صحيح انّ هناك من يخافها؟
لا يعترف ايّ من رجال القانون والدستور بأيّ من الحجج التي تبرر عدم الدعوة الى الإنتخابات النيابية الفرعية الملزمة الواجب قيامها في كل من دائرتي طرابلس وكسروان الفتوح الإنتخابيتين. فالمهل التي تتحكم بها قد عبرت، ولا بد من تصحيح الخطأ من دون التماهي بـ«الهرطقة الدستورية» المرتكبة.
منذ 31 تشرين الأول الماضي، تاريخ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، شغر أحد المقاعد الخمسة في دائرة كسروان ـ الفتوح، وقبله شغر المقعد الارثوذكسي الوحيد في طرابلس نتيجة استقالة النائب روبير فاضل في 30 ايار العام 2016، كذلك شغر المقعد العلوي ايضاً بوفاة النائب بدر ونوس في كانون الثاني الماضي ما أدى الى نقصان العدد القانوني لأعضاء المجلس النيابي ثلاثة مقاعد.
وقبل ايّ تفسيرات سياسية او نيابية نَصّت المادة 41 من الدستور على الآتي: «إذا خلا مقعد في المجلس يجب الشروع في انتخاب الخلف في خلال شهرين. ولا تتجاوز نيابة العضو الجديد اجل نيابة العضو القديم الذي يحلّ محله. أما إذا خلا المقعد في المجلس قبل انتهاء عهد نيابته بأقل من ستة أشهر فلا يُعمد الى انتخاب الخلف».
وبعيداً من المواجهات الدستورية حول كثير من الملفات والقضايا خلال السنوات الماضية، وتحديداً تلك التي رافقت الشغور الرئاسي نحو 29 شهراً، ليس هناك ما يبرّر التأخير الحاصل في ملء المراكز النيابية الشاغرة حتى اليوم. فالتزام الدستور كان يفرض على من يعنيهم الأمر الدعوة الى انتخاب بديل لفاضل المستقيل في 30 أيار الماضي في مهلة أقصاها نهاية تشرين الثاني الماضي.
وقبل انقضاء المهلة كان على المعنيين الدعوة الى انتخاب بديل لعون ايضاً لأنّ المهل الفاصلة عن نهاية ولاية المجلس في الحالتين كانت ملزمة بهذا الانتخاب. حتى انّ مهلة انتخاب بديل لـ ونوس كانت ملزمة ايضاً لأنّ مهلة الأشهر الستة كانت ستنتهي قبل 14 يوماً على نهاية ولاية المجلس الحالي.
وعليه، يعتقد دستوريون أنّ الحديث عن احترام المهل الدستورية في لبنان لم يعد ذو معنى، فالتجارب تدلّ الى العكس تماماً، ولا جدوى من فتح دفاتر الحساب في هذا الشان، لأنه في حال وجود من يحاسب فلن يوفّر ايّاً من السلطات المعنية بالعملية التشريعية والتنفيذية عدا عن الدستورية المشلولة.
وانّ السوابق أوحَت بإمكان تجاهل الموضوع وهو ما حصل. فالمقعد الماروني الذي شغر في جزين بوفاة المرحوم ميشال الحلو في 27 حزيران 2014 لم يملأ قبل 22 آذار 2016، أي قبل الذكرى السنوية الثانية لوفاته بنحو ثلاثة اشهر تقريباً.
وقيل يومها إنه لولا الإنتخابات البلدية والإختيارية التي حلّ موعدها يومذاك لبقيَ المقعد شاغراً إرضاء لرغبة أحد المسؤولين الذي لم يرد ان يتوافر البديل لأسباب مختلفة لا ترقى الى مرتبة احترام الدستور بل لأسباب جزينيّة محلية لا أكثر ولا أقل.
وبناء على ما تقدّم، تقول الأوساط السياسية والدستورية التي تقارب الموضوع انّ المسؤولين اليوم لا يحتاجون الى من يفسّر لهم الدستور، فهم يعرفون إلزامية الخطوة منعاً للتمادي في المخالفة المرتكبة التي تتجاوز «الهرطقة الدستورية» الى ما لا تبرير له سوى ما يعتقده العارفون ببواطن الأمور من انّ سببه «نَقزة كبيرة» من «بروفا نيابية متقدمة» ليس أوانها لدى المتحكمين بالأمور.
وعلى حد قول أحد العارفين انّ «المصيبة تجمع»، فمتى تجمّعت الأسباب نفسها لدى أكثر من مرجعية في الدائرتين يسهل تجاوز القانون والدستور. والى أن تتوافر للمراجع المعنية تفسيرات أخرى سيبقى الباب مفتوحاً امام أهل الحكم للخروج من هذا المأزق الدستوري ايّاً كانت النتائج المتوقعة.
مع التحذير سلفاً بأنّ السعي الى التزكية في ايّ من الحالات الثلاث تأميناً لاستمرار التوازنات كما كانت قبل الشغور هو أمر من سابع المستحيلات، وانّ انتظار تلك اللحظة بعيد والعكس سيكون «سقطة جديدة للعهد بكل أقطابه»، فهل يتحمّلها في ظل الإحتفالات القائمة حالياً بقانون الإنتخاب الجديد و«وثيقة بعبدا»؟