عندما قطع الرئيس المكلّف سعد الحريري مشاوراته في بيروت، بداعي السفر الى باريس في زيارة خاصة، قيل يومها انها ستكون قصيرة، ولكنها طالت نسبياً بسبب اجتماعه بوزير الخارجية جبران باسيل، وبرئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، في محاولة منه لتذليل عقدة توزيع الحقائب الوزارية، التي على ما يبدو، لها دور اساس في تأخير تشكيل الحكومة، بسبب رغبة باسيل بحقيبة البيئة، وتعذّر التبادل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط، ورفض القوات اللبنانية أي بحث في موضوع التبادل.
نشاط الحريري في باريس، لم يكن لبنانياً صرفاً، اذ ان هناك معلومات تشير الى ان الحريري تبلّغ ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، قد يلغي زيارة لبنان في النصف الثاني من شهر شباط المقبل، إن لم تتشكل الحكومة في خلال الاسبوع المقبل، وما قد يترتب على هذا الالغاء من وقف ما تم التفاهم عليه في مؤتمر «سيدر» من تمويل كبير لخطط اصلاحية في لبنان، والاجواء في بيروت وفي باريس، لا توحي ابداً بانفراج قريب، يعيده البعض الى اكثر من سبب، منها اقليمي – دولي – عربي، ومنها ان «حزمة» مشاكل داخلية مستعصية ستنفجر في وجه الحكومة الجديدة، ابرزها كارثة النفايات ومعضلة التلوث الشامل، وازمة التعيينات التي تأخذ منحى طائفياً بين وزراء حركة أمل وكبار موظفيها من جهة، وبين ما تعتبره بكركي انتقاصاً فاضحاً في حقوق المسيحيين في الوزارات والادارات العامة، وخصوصاً في بعض الوزارات والمؤسسات التي يديرها محسوبون على حركة أمل، مثل وزير المال علي حسن خليل والوزير غازي زعيتر الذي سبق له وحرم المناطق ذات الغالبية المسيحية من نشاط واعمال وزارة الاشغال العامة ورئيس الجامعة اللبنانية فؤاد ايوب الذي ينتهج سياسة طائفية بامتياز وفق العديد من العمداء، ومن الفاعليات العاملة على تحسين اوضاع المسيحيين في الوزارات والادارات والمؤسسات العامة تواجه صعوبات كبيرة مثل الاب طوني خضرا.
هذه العقبات تطرح الاسئلة المباشرة، عما يمكن ان تكون عليه المرحلة التي تلي التشكيل في ظل حجم التوتر القائم، وفي ظل المطالب والمآخذ العديدة التي اشارت اليها القمة المارونية في بكركي، بكثير من الهدوء والليونة، تمسكا منها بعدم اثارة زوابع ومطالب طائفية، بل رغبة في تصحيح اوضاع شاذة نشأت منذ ايام الوصاية السورية، ومستمرة حتى يومنا هذا في استغلال معيب لبعض بنود اتفاق الطائف والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تسوء العلاقة بين المسيحيين وبين حركة امل ورئىسها نبيه بري الذي يفترض ان يحمل امانة الامام المغيّب موسى الصدر المحبوب من جميع المسيحيين؟!