تعتقد مصادرُ ديبلوماسية أنّ إسرائيل رغبت بأن يأتيَ الرد من جبهة القنيطرة على غارتها التي استهدفت موكب «مزارع الأمل». لكنّ ذلك لم يحصل فالنظام السوري يدرك مخاطر الرد عبر هذه الجبهة حفاظاً على ما تبقى له من قدراتٍ عسكرية، وهو ما تفهّمته إيران فكان اختيار مزارع شبعا مسرَحاً للعملية. كيف ولماذا؟
سيبقى مسلسل المواجهة الجديدة بين اسرائيل وايران الذي بدأ بالغارة الإسرائيلية على الموكب المشترَك لإيران و»حزب الله» في القنيطرة وصولاً الى الردّ من مزارع شبعا، مدار جدل كبير في الفترة المقبلة والى أجلٍ غير مسمى. فما حدث كان باعتراف جميع الأطراف أكبر من جولة وأصغر من حرب بين طرفَي النزاع، ولم تقفل ردات الفعل المباشرة التي شهدتها المنطقة هذا الملف.
فبرامج الطرفَين وإستعداداتهما لمواجهات مستمرة ما زالت قائمة بكلّ القدرات العسكرية والإستخبارية والأمنية مهما تغيّر شكلها وتوقيتها ومهما إختير لها من مسارح محلية وإقليمية ودولية.
على هذه الخلفيات لم تتمكن المراجع الديبلوماسية التي تقف الى جانب النظام السوري وكلٍّ من إيران و»حزب الله» من فصل ما حدث الأحد في قلب العاصمة السورية عندما استهدفت حافلة الزوار اللبنانيين للمقامات الدينية المقدسة عن سياق المواجهة المفتوحة، وهي تستعدّ لمزيد من هذه العمليات التي لا تخلو من عنصر المفاجأة، أياً كانت الجهة التي تقف وراءها.
فهناك في رأيهم التقاء مصالح بين اسرائيل والمعارضة السورية ليس من السهل تجاوزه او إغفاله طالما أنهما يحتسبان الحزب «العدوّ رقم واحد»، وطالما أنّ أيّ طرف غير قادر على الحسم في مجريات الأزمة السورية المفتوحة منذ اربعة أعوام.
وعليه، فقد ضمّت القراءات الإستراتيجية الموضوعية والإستخبارية التي أجراها هذا الفريق «عملية دمشق» الى كلِّ ما سبقها من أحداث القنيطرة ومزارع شبعا، وقبلهما، في ضوء التصنيف الذي قدّمه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لبعض فصائل المعارضة السورية التي اعتبرها تجربة مستنسَخَة عن «جيش لبنان الجنوبي» تديرها الإستخبارات الإسرائيلية في كلِّ مهماتها.
والى ذلك، تعترف هذه المراجع بأنها تلقت من خلال عملية دمشق الدفعة الأولى من الردود الإسرائيلية غير المنظورة، وهو ما يفتح امام «حزب الله» جبهات إضافية تستهدف جمهوره الشيعي ليس في الضاحية الجنوبية وعلى الأراضي اللبنانية فحسب، بل أصبحت الساحة السورية مسرحاً لها وهو أمر كانت تحتسبه قيادة المقاومة بشكل دقيق بعدما نجحت القوى الأمنية اللبنانية في تفكيك شبكات تخريبية عدة في لبنان وأنهت مربعات أمنية خطيرة امتدّ نفوذها من سجن رومية الى مناطق أخرى من لبنان والمنطقة.
وكشفت هذه المراجع أنّ حزب الله توقع ردات الفعل هذه، لكنه لم يحتسب أن تتحوّل أكثر المناطق أمناً في دمشق مسرحاً لعملية من هذا النوع بعدما عزّز من إجراءاته على الساحة اللبنانية قبل أن تقع عملية دمشق.
وهو يرى في ضوء ما حصل أنّ عليه مواجهة همّ إضافي في تنقلات مسؤوليه وشعبه في الأراضي السورية، وهو أمر لا يقلّ خطورة عندما يظنّ أنّ ما حصل قد يكون بداية مسلسل خطير يضع أبناءه ومناصريه على لائحة الأهداف المشروعة لهذه المنظمات.
وبناءً على ما تقدم، يعتقد أصحاب هذه النظرية أنّ إختيار مزارع شبعا بدلاً من القنيطرة للرد على إسرائيل كان قراراً حكيماً أبعد شبح إعطاء المشروعية لإسرائيل لتتدخل مباشرة في الأزمة السورية، وهي كانت تستعدّ لتحميل النظام مسؤولية ما قد يحصل على جبهة الجولان لتستدرج العالم الى ردّ فعل يُبرّر لها ضربات عسكرية موجعة كانت تحلم بها لضرب مواقع القوة العسكرية المتبقية له بدلاً من أن يستهدف حلفاءه.
وقد رُصدت إشارات دقيقة عندما إمتحَن ايران والحزب، الحكومة الإسرائيلية بصاروخين انطلقا من أراضٍ سورية في اتجاه الجولان قبل يومين على ضربة المزارع. لكن ما لم يكن محتسَباً هو أن تضمّ اسرائيل الأراضي السورية الى مسرحها في المواجهة مع الحزب إذا ما عجزت عن ضربه عبر أراضٍ لبنانية.