لا أحد يعلم ما هي خلفيات المعركة بين وليد جنبلاط ونهاد المشنوق. الطّلقة الأولى موثّقة على إحدى صفحات جريدة «السّفير»، فيما صار صوت الطّلقات الأخرى في كلّ مكان، من السرايا الحكومية مروراً بمجلس النوّاب وصولاً إلى «تويتر».
بالطّبع، لم ينم جنبلاط ويستفيق لـ «يبقّ البحصة» ويتحدّث عن «حملة منظمة ضد الشرطة القضائية بقيادة العميد ناجي المصري، وحرمان هذا الجهاز من الإمكانيّات»، وقضيّة الفساد في قوى الأمن الدّاخلي مروراً بقضيّة الانترنت غير الشرعيّ.
يملك «الاشتراكيّون» لائحة طويلة من «ذنوب» المشنوق التي لا يمكن أن تغسلها القلوب. يبدو أنّهم حانقون على «الطريقة الفوقيّة – العدائيّة» التي يستخدمها «والي الداخليّة».
بالنسبة لهم، بدأت الحكاية حينما تحدّث المشنوق مع وائل أبو فاعور على هامش إحدى جلسات مجلس الوزراء، سائلاً إيّاه عمّا إذا كان جنبلاط فعلاً ينوي تعيين بديل عن قائد الشرطة القضائية العميد ناجي المصري. استبعد وزير الصحّة الموضوع، ومع ذلك فضّل أن يعود لرئيــس الحزب الذي رفض الأمر كلياً، معتبراً أنّ فيه «لعبة».
توجُّس «بيك المختارة» اكتمل بعدم متابعة الشرطة القضائيّة لشبكة الدّعارة، ثمّ «تضخّم» بتعيين 20 عنصراً في الشرطة القضائيّة من أصل 900 عنصر في قوى الأمن الدّاخلي وذلك بعد تدخّل جنبلاط شخصياً. وما لبثت العلاقة بينهما أن اهتزّت أكثر بعدما وصلت إلى آذان جنبلاط أخبار حجب الأموال عن الشّرطة القضائيّة، حتى صار مكتب الآداب مكوّنا من 12 عنصراً، هم من يتحمّلون مكافحة الدّعارة في كافّة المناطق اللبنانيّة!
سريعاً، استنجد جنبلاط بالحريري، طالباً منه أن يتدخّل لـ «ترقيع» العلاقة مع وزير الدّاخلية، ولكن رئيس «المستقبل» لم يتحرّك حتى حصلت زيارة المصري إلى منزل جنبلاط الأحد، ليروي حجم الحرمان الذي تعانيه الشرطة القضائيّة.
حينها، طوى رئيس «اللقاء الديمقراطي» عتبه، واتّخذ قراره.. ضدّ المشنوق.
رواية المقرّبين من جنبلاط ينفيها «المستقبليون» جملةً وتفصيلاً، مشيرين إلى أنّ المشنوق لم يفاتح أبو فاعور بشأن المصري، ولم يفكّر يوماً بأن يشنّ حرباً عليه. هم يعرفون أنّ في الأمر قطبةً مخفيّة، ربّما لا يعلمها أحدٌ سوى جنبلاط نفسه، الذي قرّر البدء بحملته على المشنوق بعد أيّام قليلة جداً على إلقاء القبض على شبكة الدّعارة في «شي موريس»، وإن كانت تفاصيل هذا الملفّ ما زالت غير واضحة المعالم تماماً كهويّات المتورطين فيها. هم غير مقتنعين أنّ المشنوق يستطيع أن يعيّن بديلاً عن المصري من دون مشوارٍ إلى «كليمنصو»، ولو أن ساكنها كان يريد ذلك، تماماً كعدم اقتناعهم بكلّ المسوّغات التي يأتي «الاشتراكيون» على ذكرها.
يجزم «المستقبليّون» أنّ مدرسة رئيس «اللقاء الديمقراطي» واضحة القواعد: رفع السقوف مقابل مطلب يأتي لاحقاً. ولذلك، يصفون الحملة على المشنوق بأنّها «افتعال» أو بالأحرى «تجليطة»!
يرى هؤلاء أنّ جنبلاط بسجاله هذا يجري حرباً استباقيّة لـ «توهمّه» بأنّ المشنوق سيدخل السرايا «فاتحاً». لا ينطلق هؤلاء من معلومات، بل من الصور التي يختارها «البيك» بعناية ويغرّد بها على «تويتر». وما عبارتا «ديناصور السراي» و «الوالي»، إلا دليل بيدهم!
هل تتغيّر العلاقة بين «المستقبل» و «الاشتراكي»؟ لا أحد منهم يعلم، وإن كان بعض «المستقبليين» يشدّدون على أنّ الرّصيد الذي راكمه جنبلاط منذ العام 2005 صرفه في العام 2010، حينما قرّر إعطاء صكّ البراءة لـ «حكومة حزب الله». بعدها، عاش الطرفان أيّام عسل، ولكنها سرعان ما تزول.
هذا الالتباس في العلاقة بين «المستقبل» و «الاشتراكي» لا ينسحب على علاقة «البيك» بالحريري، إذ أنّ صقور «التيّار» يعلمون أن «نقطة الضعف» موجودة في «بيت الوسط»: ضعف «دولته» تجاه شريك ثورة الأرز!
وبرغم ذلك، لم يوفّر جنبلاط والمشنوق طريقاً واحداً في هذه المعركة. العدّة بأكملها كانت جاهزة على مدى يومين للاستخدام، والأرشيف منها. فالعودة إلى عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري ممكن أيضاً.
تكفّل جنبلاط بالتغريدات، وإزالة بعضها، عن «لصوص الدّاخليّة» و «ديناصور السراي»، وكلّف وائل أبو فاعور بأن يكمل الحرب بنفسه على «من يرشَح زيتاً».
وهكذا صارت الأمور مكشوفة أكثر: «الحزب التقدمي الاشتراكي» يريد فتح ملفّات الفساد التي يدّعي أنّ وزير الداخليّة متّهمٌ بها. يبحثون خلف «معاليه» جيداً، ويدقّقون في ملفّات السّفر وصرف المخصصات على فنادق الـ5 نجوم، ورخص السوق وصفقة الكاميرات.. وصولاً إلى المنزل!
الحريري:
موقف «المستقبل» لا يمثلني!
في المقابل، يجلس المشنوق في «الداخليّة»، ويحاول الابتعاد قدر الإمكان عن الردّ بطريقة مباشرة على «البيك». في المرّة الأولى، تقصّد الردّ على «السّفير» وليس على جنبلاط نفسه، وفي المرّة الثانية تسلّح بمقالاتٍ لعدد من الزملاء وقام بنشرها على صفحته على «تويتر»، فيما المرّة الثالثة كانت الأقوى: دخلت «كتلة المستقبل» على الخطّ ومعها عدد من النوّاب، كان أبرزهم ابن البقاع جمال الجرّاح.
إذاً، الأمر لم يعد بين «الصديقين»، بل تعدّاه إلى العلاقة بين حلفاء الخطّ الواحد. ومع ذلك، ينام «الجنبلاطيون» على حرير. هم مؤمنون أنّ الغطاء الذي أمّنته «الكتلة»، أمس، عندما أكّدت أنّ «الحملة المنظمة التي يتعرض لها المشنوق انطلاقاً من بعض الحسابات الصغيرة والفئوية لا تخدم منطق الدولة التي نطمح إليها ولا تعزّز المؤسسات التي يجب أن تكون في خدمة الجميع، في الوقت الذي يعمل البعض على هدمها وتقويض دورها»، ليس رسمياً!
يتسلّح هؤلاء بالاتصال الذي تلقّاه أحد المقربين من جنبلاط. الحريري قال كلمته: موقف «الكتلة» لا يمثّلني بل يُمثّل السّنيورة!
وعليه، يعتقد «الرفاق» في «وطى المصيطبة» أنّ لهم أيادي بيضاء في إعادة الرّوح للعلاقة بين المشنوق وفؤاد السّنيــورة، إذ أنّهم يشيرون إلى أنّ أصابع رئيـــس «الكــتلة» واضحٌ في صياغة «بيان الدّعم». بالنّسبة لهم، إنّ السنــيورة متضــايق من جنبلاط بسبــب الحــملة على عبد المنــعم يوسف، ليأتي موضوع وزير الّداخليّة «على ضهر البيعة».