لم يكن سهلا على المحقق اللبناني الذي انتقل في العام 2005 من عمله في قوى الأمن الداخلي للعمل مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أن يبرر الكثير من عيوب التحقيق الدولي، الذي كشفت عنه وثيقة كتبها بخط يده، بعد لقائه النائب وليد جنبلاط في المختارة بتاريخ 31 كانون الثاني 2006، وجاء فيها ان النائب جنبلاط طلب اليه «توخي الحذر من المعلومات التي كانت تستقيها اللجنة من العقيد وسام الحسن».
وأورد المحقق نفسه في تقريره أن جنبلاط اقترح على اللجنة أن تلتقي الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، «لأن الحزب لديه شعبة مخابرات قوية ويعرفون أشياء مهمة عن العمق الإسرائيلي، ومن المنطقي أن يكون لديهم معلومات تساعد التحقيق (الدولي)».
ماذا تعني ملاحظة جنبلاط التي جاءت ردا على سؤال للمحقق: «ما إذا كان يرغب بقول أي شيء خارج الإفادة الرسمية»، وكيف جرى التعامل معها من قبل لجنة التحقيق الدولية؟
تعزز ملاحظة جنبلاط ما كان قد صرح به المحقق الدولي، نائب رئيس لجنة التحقيق الدولية السويدي بو آستروم من أن المعطيات المتوفرة بشأن مسؤولية الحسن الأمنية وغيابه عن موكب الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، «دفعنا للشك المبدئي به وقد طلبت التعمق بالتحقيق معه، الأمر الذي رفضه رئيس اللجنة آنذاك ديتليف ميليس بعد أن راجع قصر قريطم»!
واقعة تدخل «قريطم» بمسار التحقيق الدولي، أكدتها أمس واقعة أخرى كشف عنها المحقق اللبناني الذي خضع لتدابير حماية وتحدث باللغة الإنكليزية، حيث أكد أن الحسن تدخل ليعيد محققا لدى لجنة التحقيق الدولية كان قد أوقف عن العمل، وهذا ما حصل بعد تدخل الرئيس سعد الحريري.
حاصرت أسئلة القضاة المحقق اللبناني السري، في محاولة منهم لفهم طبيعة هذه الملاحظة وأبعادها، وكذلك فعل المحامي محمد عويني المكلف من قبل المحكمة حماية مصالح المتهم حسن مرعي.
وتمحورت أسئلة رئيس غرفة الدرجة الأولى القاضي دايفد راي والقضاة ميشلين بريدي وجانيت نوثورثي ووليد العاكوم ونيكولا لتييري حول سبب مقابلة الشاهد لجنبلاط، وشكوك الأخير بوسام الحسن ولماذا لم تأخذ اللجنة بمضمون ملاحظة جنبلاط؟
وشكلت أجوبة الشاهد سببا لزيادة الشك بمهنية عمل لجنة التحقيق. فقد أجاب الشاهد بأن سبب زيارته لجنبلاط كان هدفها التأكد من قول أحد شهود التحقيق أنه التقى جنبلاط وأخذ منه مالا مقابل معلومات عن اغتيال الحريري.
ونقل الشاهد عن جنبلاط نفيه أن يكون قد حصل ذلك، موضحا أن الشاهد المذكور ادعى انه تلقى أموالا من النائبين مروان حمادة وبهية الحريري، وأضاف أن جنبلاط زوده بلائحة زواره.
وفيما لاحظت بريدي «أن جنبلاط هو من كان يطرح عليك الأسئلة وفقا لمحضر الجلسة»، حاول المحقق ـ الشاهد أن يفسر ملاحظة جنبلاط حيال وسام الحسن، بكونها «تحذيرا عاما من الحسن، لكنه لم يقل أنه لا يثق بالحسن».
تبرير لم يقنع القضاة، «فالعبارة واضحة تماما لمن يقرأها دون التفسير الذي تقدمه»، بحسب القاضي راي.
وما زاد من دهشة القضاة ما قاله الشاهد، ردا على سؤال للقاضي لتييري: «ما إذا كانوا قد تابعوا ما قاله جنبلاط بشأن الحسن والتواصل مع حزب الله». رد الشاهد بأنه أجريت تحقيقات بشأن المعلومات التي تحدثت عن غياب وسام الحسن عن موكب الحريري، وتبين لهم انها إشاعات ونحن تأكدنا من ذلك من خلال التواصل مع استاذه الجامعي وقد حصلنا على علامات الامتحان».
وأضاف: «التقيت الحسن مرات عدة في لبنان وخارجه، وكان مصدرا جيدا لمعلوماتنا».
وإذا كانت رواية المحقق حيال الجامعة والامتحان تتناقض مع ما نقل عن المحقق السويدي آستروم، نفى مسؤوليته عن متابعة موضوع الاتصال بـ «حزب الله»، وقال: «إن رئيس التحقيق على علم بملاحظاتي وهو لم يتخذ أي إجراءات إضافية، وهذه مسؤوليته وليست مسؤوليتي».
بدوره، استغرب المحامي عويني كيف أن شخصا بمستوى جنبلاط يحذر التحقيق الدولي من وسام الحسن، «فتزداد عمليات التعاون معه، بدل القيام بأبحاث إضافية وتحريات»؟ فرد الشاهد بأن هذا السؤال يجب أن يطرح أيضا على رئيس فريق المحققين الدوليين». وكرر أن ما ذكر عن الحسن «مجرد إشاعات ونحن أعددنا تقريرا كاملا عن الحسن يمكنكم العودة اليه».
وقال الشاهد ردا على سؤال للقاضية بريدي إن كل الاجتماعات مع الحسن «كانت مدوّنة بموجب محاضر، وأن الاتصالات معه بقيت مستمرة وتحديدا في ما يتعلق بملف الاتصالات الخلوية».