ستبقى الكويت عصيّة على الإرهاب والتطرّف وعلى كلّ من يسعى إلى المس بالوحدة الوطنية فيها. لم تكن جريمة مسجد الإمام الصادق المحنة الأولى التي تمر بها الكويت. لكنّ كلّ ما يمكن قوله بعد الجريمة، كما قبلها، أن الكويت ستنتصر على المحنة وستتجاوزها. هذا عائد أوّلا إلى أنّ المجتمع الكويتي قادر في الأوقات الصعبة على التمسك بأصالته إلى أبعد حدود مهما فعل الإرهابيون ومهما بالغوا في وحشيتهم.
ينسى الإرهابيون الذين استهدفوا المسجد الذي يؤمه مواطنون شيعة في الصوابر أن الكويت لم تفرّق يوما بين مواطن وآخر. هناك شعار رفعه الكويتيون منذ القدم.
هذا الشعار هو الولاء للكويت حيث لا فارق بين سنّي وشيعي. كانت الكويت دائما مكانا لا وجود فيه للطائفية والمذهبية. يرفض المجتمع الكويتي كلّ ما له علاقة بالمذهبية من قريب أو بعيد.
كان انتقال أمير الدولة الشيخ صُباح الأحمد إلى مكان الجريمة واشرافه شخصيا على معالجة الجرحى ومؤاساة ذوي الضحايا دليلا على أن الكويت وفيّة لأهلها من دون أي تمييز أو تفرقة. بعد ذلك، كان أمير الكويت يؤكد مجددا أنّه لكل الكويتيين عندما تقبل بنفسه التعازي بضحايا العمل الإرهابي.
سقط ابرياء في الكويت جراء الإرهاب. هذا صحيح. لا يمكن للكويت البقاء في معزل عن الآفة التي تعاني منها هذه الأيّام المنطقة، خصوصا أنّها ليست بعيدة لا عن العراق ولا عن الدول الخليجية الأخرى. كان لا بدّ أن تصيب الكويت بعض الشظايا. لكنّ الجرح الكويتي لا يمكن إلّا أن يندمل سريعا. لا لشيء، سوى لأنّ الكويت ليست ارضا خصبة لا للطائفية ولا للمذهبية ولا للغرائز المنفلتة.
في الواقع، طرق الإرهاب العنوان الخطأ. لم يكن هناك في تاريخ الكويت وفي أيّ يوم من الأيّام تفريق بين شيعي وسنّي. الكويتيون كويتيون أوّلا. الأمير منحاز للمواطن الكويتي وللكويت. الشيعة كويتيون قبل السنّة وهم في مراكز عليا في الدولة وفي المجتمع وفي مجال الأعمال. والسنّة كويتيون قبل الشيعة وهم يعملون على المحافظة على الوحدة الوطنية وحمايتها نظرا إلى أن ذلك يحمي الكويت التي لم تتردّد يوما في نصرة مواطنيها وتوفير كلّ أسباب الراحة لهم.
في كلّ مرّة تعرضت الكويت للخطر، سارع مواطنوها إلى التضامن في ما بينهم. هناك دستور كويتي آخر غير مكتوب يجمع بين الكويتيين. هذا الدستور، الذي اسمه التضامن بين الكويتيين، لا يعرفه غير الكويتي أو ذلك الذي عايش التجربة الكويتية عن كثب.
ففي السنوات الأخيرة، عندما تحوّل مجلس الأمّة إلى ساحة للمماحكات العقيمة والأسئلة والإستجوابات التي لا طائل منها، سارع امير الكويت إلى أخذ مبادرة أدّت إلى قانون جديد للإنتخابات. في عزّ الصيف وخلال الصيام في شهر رمضان المبارك، توجّه الكويتيون إلى صناديق الاقتراع، فخرج مجلس جديد حافظ على الإستقرار في العمل السياسي والحكومي وجعل مصلحة الدولة التي تحمي المواطن فوق كلّ مصلحة أخرى، خصوصا مصلحة النوّاب المزايدين.
مثلما حسم الشيخ صُباح الأحمد موضوع الإستقرار الحكومي والعلاقة بين مجلس الأمة والوزراء، سيحسم موضوع الإرهاب والتطرّف الديني الذي يعتبر ظاهرة طارئة على البلد.
في النهاية، إن الكويتيين عقلاء. استجابوا لرغبة الأمير في الإستقرار. سيستجيبون الآن للحسم والحزم في موضوع مكافحة التطرّف والإرهاب. هناك اشارات مشجعة على ذلك. بعضها من الماضي القريب جدّا وبعضها الآخر عمره نحو ربع قرن.
في الماضي القريب، لبّى معظم الكويتيين الدعوة إلى تسليم السلاح الذي كان في المنازل. استجاب الكبير قبل الصغير، بما في ذلك أبناء الأسرة الحاكمة.
قبل ربع قرن، في صيف العام 1990 تحديدا، إحتلّ الجيش العراقي بأمر من صدّام حسين الكويت. لم يجد صدّام كويتيا واحدا يقبل التعاون معه. على العكس من ذلك، وقف جميع الكويتيين صفّا واحدا في وجه الإحتلال وكلّ ما كان صدّام حسين يمثّله من تخلّف ليس بعده تخلّف.
لأنّ الكويتيين وقفوا مع الكويت ومع اميرها، وقتذاك، الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، ومع القيادة التي كان تضمّ الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، والشيخ صباح الأحمد، أطال الله عمره، وقف العالم معها.
لم يكن ممكنا تحرير الكويت في شباط ـ فبراير 1991 لولا الوقفة الشجاعة لأهلها ولولا الوحدة الوطنية التي كشفت المعدن الحقيقي للكويتيين ومدى تمسّكهم ببلدهم.
في السنة 2015 ، لم يتغيّر معدن الكويتيين. ما زالوا صفا واحدا في وجه المخاطر والتحدّيات التي تعصف بالمنطقة والتي من الطبيعي أن تكون لها إنعكاسات على البلد. ولذلك، يصعب تصوّر أن تكون لجريمة مسجد الإمام الصادق أي تأثير على الوحدة الوطنية. على العكس من ذلك ستكون لهذه الجريمة نتائج مختلفة كلّيا عن تلك التي تمنّاها الإرهابيون والذين يقفون خلفهم. سيزداد تمسّك الكويتي بالكويت وستزداد اللحمة بين الكويتيين، خصوصا بين الشيعة والسنّة.
لا خيار آخر أمام الكويتيين سوى المحافظة على الكويت. ليس أمام الكويتيين سوى العمل على سدّ أي ثغرات يمكن أن يتسلل منها الإرهاب. لن يعود واردا أي تسامح مع الخطابات ذات الطابع المذهبي والتحريضي التي تصبّ في تأجيج الصراعات الداخلية.
الجو مهيّأ في الكويت من أجل إتخاذ التدابير المطلوبة التي تحمي الوحدة الوطنية من جهة وتكفل مواجهة الإرهابيين بغض النظر عن المذهب الذي يدّعون الدفاع عنه من جهة أخرى. فالإسلام في نهاية المطاف براء من كل ما له علاقة بالإرهاب من قريب أو بعيد. فضلا عن ذلك، إنّ رسالة الكويت لم تكن يوما سوى رسالة محبّة وإخاء وتسامح واعتدال في كلّ المجالات.
يمتلك المجتمع الكويتي ما يكفي من الحصانة والمناعة كي يتجاوز المحنة الأخيرة ويظلّ عصيّا على الإرهاب والتطرّف. كلّ الضحايا الذين سقطوا، إنّما سقطوا دفاعا عن الكويت وعن رسالة الإسلام الذي لا يفرّق بين مذهب وآخر. نعم، إن حجم التضحيات التي تواجه الدولة كبير، بل كبير جدّا. لكنّ الكويتيين أهل لمواجهة هذه التحديات، خصوصا أنّهم عرفوا دائما كيف يحافظون على وحدتهم من جهة، كما يدركون أنّ مصدر هذه التحديات ليس علّة ما من داخل المجتمع الكويتي من جهة أخرى.
مصدر هذه التحديات التحولات المصيرية التي تمرّ بها المنطقة والتي تستطيع الكويت، بسبب تركيبتها، أن تكون في منأى عنها. فالكويت ليست دولة طارئة في أيّ شكل من الأشكال، بل هي جزء اساسي من المعادلة الإقليمية ومن التركيبة القائمة على الضفّة العربية للخليج، وهي تركيبة لا تزال بخير إلى حدّ كبير.