IMLebanon

لماذا تترك القوى الإسلامية الساحة لـ«الجهاديين»؟

في أواخر العام 1999 عمد بسام كنج (ابو عائشة) الى استدراج عدد من الشباب المسلم الذين كانوا يعانون من الظلم والقهر والملاحقات الأمنية، الى منطقة الضنية بهدف انشاء اطار اسلامي جهادي متأثر بأفكار تنظيم «القاعدة» والتحضير لاقامة إمارة اسلامية في الشمال، لكن المشروع لم يستكمل واصطدم الشباب بالجيش اللبناني مما ادى الى مواجهة عسكرية عرفت بمعركة الضنية.

بعدها توالت المعارك والاصطدامات بين المجموعات الإسلامية الجهادية والقوى العسكرية والأمنية اللبنانية من أقصى الشمال الى جنوب لبنان والبقاع، ويمكن إيراد عشرات العمليات والمجموعات الإسلامية التي نشأت في لبنان او سعت الى إنشاء اطر إسلامية جهادية ونفذت عمليات عسكرية أو أمنية ضد مصالح غربية او لبنانية، او حاولت تنفيذ هذه العمليات، سواء في لبنان او في العراق او مناطق اخرى، وكل ذلك قبل أحداث سوريا وقبل طرح مشكلة سلاح «حزب الله» او الصراع السني ـ الشيعي في المنطقة.

ومن هذه العمليات التي نفذت على سبيل المثال لا الحصر: اغتيال رئيس «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش) الشيخ نزار الحلبي، محاولة اغتيال عدد من البطاركة والمطارنة الارثوذكس على طريق جامعة البلمند في طرابلس ردا على أحداث البوسنة، الاعتداء على السفارة الروسية في بيروت ردا على أحداث الشيشان، اغتيال القضاة الاربعة في صيدا، إنشاء تنظيم «فتح الاسلام» وأحداث مخيم نهر البارد، تنفيذ سلسلة عمليات ضد المصالح الاميركية ومنها مطاعم «الماكدونالدز» في الشمال وجبل لبنان، تفجير عين علق، انشاء مجموعات «جند الشام» و«عصبة النور» وغيرها في مخيم عين الحلوة والمناطق المحيطة به، محاولة تفجير عدد من السفارات الغربية في بيروت التي كان يخطط لها احمد الميقاتي، اشتباكات متعددة بين عناصر اسلامية جهادية والاجهزة الامنية اللبنانية في منطقة مجدل عنجر، خطف السياح الاستونيين، مجموعة الـ13 التي كانت تنشط بين لبنان وسوريا والعراق واعترف بعض عناصرها باغتيال الرئيس رفيق الحريري.. الى غير ذلك من المجموعات الاسلامية الجهادية التي جرى كشفها واعتقالها، وكل ذلك قبل أحداث سوريا وقبل فتح النقاش حول سلاح «حزب الله» و«المقاومة الاسلامية».

وهناك اسباب عديدة لنشوء هذه المجموعات ولقيام عناصر اسلامية جهادية بتنفيذ عمليات امنية ضد المصالح الغربية او الشرقية، او ضد الجيش اللبناني والمؤسسات الامنية والقضائية اللبنانية، وبعضها كان ينفذ عمليات سرقة ضد البنوك اللبنانية لتمويل العمليات وكان لديه فتاوى شرعية تبرر ذلك.

وبغض النظر عما اذا كانت الاسباب التي تؤدي لنشوء هذه المجموعات الجهادية او تنفيذ هذه العمليات صحيحة او مقنعة، فان النتيجة لكل هذه العمليات كانت كارثية على الساحة الاسلامية في لبنان، خصوصا الساحة السنية. وكانت القوى الاسلامية الفاعلة، وفي مقدمتها «الجماعة الاسلامية» وغيرها من الهيئات والجمعيات الاسلامية، تضطر الى ادانة هذه العمليات واطلاق مواقف ومواثيق لرفض العنف، وحتى ان «عصبة الانصار» التي كانت متهمة بالوقوف وراء بعض العمليات الجهادية عمدت الى اطلاق خطاب جديد داخل مخيم عين الحلوة، كما انها وبالتعاون مع قوى اسلامية جهادية في المخيم عملت لضبط الاوضاع الامنية داخل المخيم وشاركت مؤخرا في قوة امنية مشتركة مع «حركة فتح» وبقية الفصائل الفلسطينية من اجل منع جر المخيم الى معركة شبيهة بمعركة مخيم نهر البارد.

واليوم وبعد كل الأحداث التي يقوم بها اسلاميون جهاديون وتؤدي لسقوط القتلى والجرحى وتدمير المناطق الاسلامية، ألا يصح السؤال: مَن يتحمل مسؤولية كل ما يجري؟ وهل يجوز فقط تحميل «حزب الله» والمشروع الايراني وقضية الظلم والاضطهاد الذين يتعرض لهما السنة في لبنان المسؤولية؟ وهل أدّت هذه العمليات الى اسقاط المشروع الايراني ووقف دور «حزب الله» وانهاء الظلم والاضطهاد؟

الامين العام لـ«الجماعة الاسلامية» ابراهيم المصري كتب مقالا في العدد الاخير من مجلة «الأمان» التابعة لـ«الجماعة» حول «مسؤولية المؤسسات الاسلامية عن تحول الشباب الى الاطر الجهادية»، ودعا لبذل الجهد لمعالجة هذه الظاهرة.

لكن لماذا تترك الساحة الاسلامية لمجموعات شبابية متحمسة تأخذها دوما نحو الخراب وتدفعها نحو القتال الخاطئ وغير المجدي؟ ألم يحن الوقت للقيام بمراجعة نقدية سليمة من قبل المجموعات والهيئات والاحزاب الاسلامية، وفي مقدمتها «الجماعة الاسلامية» و«هيئة علماء المسلمين» و«حزب التحرير» وغيرهم، للبحث عما يجري واعادة قيادة الساحة الاسلامية نحو بر الامان؟