كان من الفاضح تماماً ان يقف جون كيري في عشاء القاهرة الحاشد بعشرات الضيوف العرب ليقول: “لا بد ان نسعى جميعاً لأجل مستقبل اسرائيل”، طبعاً لا معنى لاعتذاره وتصحيحه الكلام بالدعوة الى العمل من أجل مستقبل مصر!
لا معنى ايضاً لتغريدة السفارة الاميركية في القاهرة والقول انها “زلّة لسان” سببها طول الرحلة ليلاً، ففي النهاية ليس سراً ان كيري مهجوس بإسرائيل تماماً مثل أوباما، الذي يركبه الهاجس الاسرائيلي إيجاباً أو سلباً كما حصل حديثاً بعدما أهانه بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس.
ما هو أسوأ من زلاّت اللسان، الادعاءات او المزاعم. وبهذا المقياس لم يتأخر كيري عن القول في اليوم التالي “إن الرئيس باراك أوباما ملتزم حلّ الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين”. بالتأكيد قابل الرئيسان محمود عباس وعبدالفتاح السيسي والملك عبدالله هذ الكلام بالسخرية ضمناً، وهذا من حقهم قياساً بالفشل الفاضح لسياسة أوباما حيال القضية الفلسطينية.
ما هو أسوأ من الادعاءات، الإغراق في الأكاذيب كأن يقول كيري بعد اجتماعه مع الزعماء العرب الثلاثة “إن موقف الولايات المتحدة كان دائماً ومنذ أكثر من خمسين عاماً مؤيّداً للسلام والرئيس أوباما لا يزال ملتزماً حلّ الدولتين”، لكأن العرب بلا ذاكرة وهم الذين يعرفون ان العدو الاسرائيلي شنّ كل حروبه على العرب وهو يمضي في تهويد فلسطين ويدفن التسوية السلمية معتمداً بالدرجة الأولى على الدعم الأميركي.
مرة واحدة في التاريخ تصرفت أميركا كدولة تُخضِع سياستها الخارجية للقيم، عام ١٩٥٦ عندما أجبر دوايت أيزنهاور غولدا مئير على الانسحاب من السويس بعد العدوان الثلاثي، ومذذاك تُخضِع سياستها للكنيست وتواصل الانحياز المطلق والأعمى الى إسرائيل.
في أي حال نسي كيري انه قام بـ١٣ زيارة لتل أبيب وقامت هيلاري كلينتون بمثلها تقريباً ولم يتمكنا من وَقف جرافة واحدة تدمر بيوت الفلسطينيين في القدس، أو من منع تساقط الصواريخ في مسلسل حروب نتنياهو الإجرامية على غزة.
ولم ننس نحن كيف بدأ أوباما عهده بوعود زهرية معلناً اختياره أزمة الشرق الأوسط مدخلاً لترجمة شعار “التغيير” الذي حمله البيت الأبيض، وأنه سينفّذ رؤية جورج بوش حول قيامة الدولة الفلسطينية، ولكن ما الذي جرى في الأعوام الستة الماضية؟
أولم يشن نتنياهو حملة عنيفة عليه ويحطم كل ما قاله في جامعة القاهرة وفي اسطنبول عن حلّ أزمة الشرق الأوسط، فهل تمكّن مثلاً من الضغط على إسرائيل بحجب بنس واحد من مليارات المساعدات الأميركية لها، وهل تمكّن من منع نتنياهو أخيراً من إهانته وليّ ذراعه في عقر داره… اذاً لماذا إشاعة الأكاذيب مستر كيري؟