Site icon IMLebanon

لماذا تحريك المخيمات في الأردن؟  

تعرّض الاردن من دون شكّ لضربة قويّة وجهها له ارهابيون، اعتقل احدهم، لديهم حسابات قديمة يريدون تصفيتها معه، لا لشيء سوى لانّه لم يتردّد يومًا في مواجهتهم وفي التصدي لهم. لم يكتف الأردن بالمواجهة المباشرة على الارض، بل لجأ الى كلّ ما يمكنه تجريد الارهابيين من سلاحهم الايديولوجي. ذهب الملك عبدالله الثاني الى اقصى حدود في تأكيد ان هذا الارهاب لا علاقة له بالاسلام من قريب او بعيد. في داخل الاردن كما في خارجه، يردّد العاهل الاردني دائمًا ان هؤلاء «خوارج» وان المعركة مع الارهاب هي «حرب المسلمين اوّلاً«. هذا يعني بكل بساطة ان التصدي للارهاب واجب، وذلك دفاعًا عن الاسلام في المقام الاوّل، كما انّ على المسلمين ان يكونوا في طليعة مَن يخوض الحرب على الارهاب وانّ عليهم تحمل مسؤولياتهم في هذا المجال. انّها حربهم التي لن يخوضها الآخرون عنهم.

تبدو الضربة التي تلقاها الأردن قويّة. اقلّه لسببين. الاول ان الهدف كان مركز المخابرات في مخيّم البقعة شمال عمّان. مؤسسة المخابرات لا تزال، الى اشعار آخر، من اعمدة النظام القائم. اكثر من ذلك انّها تتمتع بهيبة كبيرة تجعل من يريد استهدافها يفكّر طويلًا قبل الاقدام على مثل هذه المغامرة. هل كان مطلوبًا كسر هيبة جهاز المخابرات، اي كسر هيبة النظام وكسر الدولة الأردنية؟

اما السبب الآخر، فيعود الى انّ حصول هذا الاعتداء في داخل المخيّم الفلسطيني يشير الى رغبة لدى جهات ما في اعادة تحريك المخيمات والرهان في الوقت ذاته على فتنة داخلية تقوم على انقسام مفتعل الى حدّ كبير. انّه تطور يعتبر الاوّل من نوعه منذ العام 1970. وقتذاك، كانت المخيمات خارج سيطرة السلطة الاردنية، كما حال معظم المخيمات الفلسطينية في لبنان في الوقت الحاضر، خصوصًا مخيّم عين الحلوة الذي صار مأوى لمجموعات متطرفة ليس معروفاً متى تستخدم في تنفيذ عمليات ارهابية من اجل تحقيق اهداف معيّنة ذات علاقة بكل شيء باستثناء مصلحة لبنان واللبنايين. 

كانت المخيّمات الفلسطينية في الاردن قبل العام 1970 مكانًا تسرح فيه وتمرح منظمات ذات ايديولوجيات مختلفة، من اقصى اليمن الى اقصى اليسار، ليس معروفًا لمن تنتمي حقيقة او الجهة التي تعمل لها. جاءت الحملة العسكرية التي نفّذتها السلطة في الاردن لتضع حدًّا لهذا الوضع الشاذ الذي حمى الفلسطينيين من انفسهم ومن المخططات الاسرائيلية اوّلًا، كما حمى قضيتهم في المدى البعيد.

خاض الاردن حربًا طويلة مع الارهاب. كان عليه في عهد الملك حسين، رحمه الله، وفي عهد الملك عبدالله الثاني الدخول في مواجهات على جبهات عدة. كان الحلم الدائم للنظام السوري الذي اغلق جبهة الجولان منذ العام 1974، اعادة فتح جبهة الاردن وذلك من اجل المتاجرة بها، على غرار ما فعله، بالمشاركة مع ايران في جنوب لبنان. من حسن الحظ ان الاردن عرف دائمًا كيف يرد الصاع صاعين للنظام السوري ولحليفه الايراني الذي لم يتردد حتّى في استخدام «حزب الله» من اجل اختراق الامن الاردني.

في كلّ الاحوال، يظل اخطر ما في الهجوم الاخير على مركز المخابرات الاردنية في مخيّم البقعة المكان الذي حصل فيه. كانت هناك استباحة للامن الاردني في مكان حساس استهدف جهازًا حساسًا ما ادّى الى سقوط خمس ضحايا. بين هؤلاء ثلاثة من ضباط الصف في جهاز المخابرات.

كانت المرّة الاخيرة التي يتعرّض فيها الاردن لهزّة قويّة في تشرين الثاني 2005 عندما استهدفت «القاعدة» ثلاثة فنادق اردنية مستخدمة انتحاريين قتلوا عددًا لا بأس به من الابرياء. لكنّ الردّ على هذه الجريمة كان سريعًا. لعب الاردن دورًا محوريًا في القضاء على «ابو مصعب الزرقاوي» الذي كان يعتبر الرجل الاوّل لـ»القاعدة» في العراق. حدث ذلك في حزيران 2006. ومنذ ذلك التاريخ، لا تزال الحرب مستمرّة بين الاردن من جهة و»القاعدة» التي انجبت «داعش» من جهة اخرى.

اضافة الى ذلك كلّه، تعتبر العملية التي استهدفت مركز المخابرات الاردنية في مخيّم البقعة الواقع على الطريق بين عمّان واربد اختبارًا اول للحكومة الجديدة التي شكّلها الدكتور هاني الملقي. تكمن الاهمّية الاولى لهذه الحكومة في انّها ستعد للانتخابات النيابية المتوقع ان تجرى قبل نهاية السنة الجارية. يوفّر حصول مثل هذه الانتخابات دليلًا على ان الاردن قادر على ان يكون استثناء في هذه المنطقة. هناك انتخابات تجري في الاردن بشكل طبيعي في وقت يبدو مصير سوريا والعراق على كف عفريت. هناك بلدان اعتبرا نفسيهما دائما مركزي استقطاب في الشرق الاوسط في حال انهيار، فيما التركيز الاردني على اجراء انتخابات نيابية تؤكد استمرار الحياة السياسية بشكل طبيعي في بلد يمتلك مؤسسات حقيقية.

شاء الاردن أم أبى، انّه في عين العاصفة. قد لا تكون العملية الاخيرة مرتبطة فقط بـ»داعش» وفكره الارهابي، بل يمكن ان تكون مرتبطة بقوى اقليمية تسعى الى الهرب من ازماتها الداخلية وتصديرها الى خارج. تلك هي مدرسة النظام السوري الذي غالبًا ما عرف كيف يستخدم الفلسطينيين لمآرب لا علاقة لها بقضيتهم من قريب او بعيد.

الاكيد ان نتائج التحقيقات التي تجريها السلطات الاردنية ستكشف في نهاية المطاف الهدف الحقيقي لعملية مخيّم البقعة. لكن لا شيء يمنع من طرح تساؤلات في شأن استهداف الامن الاردني في هذه الظروف بالذات والتركيز على المخيّمات الفلسطينية الموجودة في المملكة. يحصل ذلك في وقت هناك ازمة اقتصادية عميقة يعاني منها الاردن في ظل وجود مليون ونصف مليون سوري، في اقلّ تقدير، في بلد تعتبر موارده شحيحة وثرواته الطبيعية شبه معدومة.

مرّة أخرى، يبدو ان على الاردن اثبات انّه ليس الحلقة الضعيفة في النظام الاقليمي القائم منذ مئة عام، اي منذ التوصل الى اتفاق سايكس – بيكو، بل انّه بالفعل دولة مؤسسات تستطيع الدفاع عن نفسها في كلّ الظروف بما في ذلك الظروف الاكثر تعقيدا في الشرق الاوسط.