Site icon IMLebanon

لماذا النيبال؟

قبل أيام من الزلزال المدمّر، قالت لي صديقة إنها تفضّل العيش في النيبال حتى لو كانت البلاد تقع فوق خط تصدّع معروف وعرضةً للزلازل بما في ذلك زلزال كبير يمكن أن يضرب في أي وقت.

عندما ضرب الزلزال المدمّر النيبال ووصلت الهزات الارتدادية إلى الهند، حزنت من أجل الأشخاص الرائعين الذين تعرّفت إلى عدد كبير منهم على مر السنين. تُذكّرنا هذه المأساة بهشاشة حياتنا وعدم قابليتها للتوقّع، وكيف يُخيَّل إلينا أننا نسيطر على الأمور ونضع خططاً وكأننا سنعيش إلى الأبد، ولكن نادراً ما نخطّط للاحتمال الآخر الأكثر كارثية.

ويكتسب هذا التذكير بعداً خاصاً نظراً إلى أن الشرق الأوسط يمرّ في مرحلة غير مسبوقة من الحروب والإرهاب والدمار والموت والنزوح القسري. تشهد المنطقة، على صعد عدة، زلزالاً متواصلاً من صنع الإنسان أكثر تدميراً وعنفاً مما يمكن أن تقترفه يد الطبيعة. ففي حين أن زلازل الطبيعة تترك وراءها الكثير من الأسى والندوب، يرمّم الناجون أملاكهم وأرزاقهم ويمضون قدماً. أما زلازل الإنسان فمتجذّرة في تاريخ دموي، وأسيرة تقاليد مسبّبة للانقسام، وتحمل تداعيات وهزات ارتدادية لأجيال وأجيال.

ما الأفضل إذاً، ومن أفضل حالاً؟ هل يستطيع أحد الإجابة عن هذا السؤال بموضوعية؟ كيف سنُصنَّف عندما يُحكَم علينا على أساس إنسانيتنا وليس على أساس مكانتنا الاجتماعية أو حساباتنا المصرفية أو قوتنا أو تشدّدنا أو استبدادنا أو قدرتنا على زرع الدمار والفوضى؟

زلزال النيبال الذي تسبّب حتى الآن بمقتل أكثر من أربعة آلاف شخص فضلاً عن تدمير مبانٍ بكاملها، وتشريد عشرات الآلاف، حيث لم تعد الحياة كما كانت من قبل، هو كارثة حقيقية بمختلف المعايير. لن نحصي أولئك الذين قدّموا المساعدة أو الهبات أو أولئك الذين لم يحرّكوا ساكناً على الإطلاق؛ ولكن في أوقات الأزمات، كما هو الحال في الماضي مع حوادث التسونامي والزلازل والانهيارات الثلجية وسواها من الكوارث الطبيعية التي تضرب الأشد فقراً، ما نشعر به حيال الضحايا وما نفعله يكشف الكثير عن إنسانيتنا.

يعمل في منطقة الشرق الأوسط عدد كبير من النيباليين والهنود الذين يشكّلون جزءاً من العمال الأجانب. إنها فرصة مؤاتية لإظهار التعاطف والإحسان والحب لهم. هذه هي التعاليم التي تقوم عليها جميع الديانات التوحيدية في المنطقة. من هذا المنطلق، كيف نُصنَّف وهل نحن من الذين يقدّرون الأشياء المهمة فعلاً في الحياة؟ في وجه مأساة بهذا الحجم، هل نعانق أولادنا لوقت أطول؟ هل نقبّل أحبابنا بشغف أكبر؟ هل نقوّم حياتنا استناداً إلى ما أُنعِم به علينا أم انطلاقاً من مآسينا؟ عندما نسأل أنفسنا، “لماذا النيبال؟” هل نطرح هذا السؤال لأننا نشعر بأننا متفوّقون وبأن النيباليين أقل حظوة أم لأننا نعتبر أنفسنا بمنأى عن المأساة وتالياً محظوظين؟

فيما نقوّم حياتنا ونحدّد أولوياتنا، فليكن زلزال النيبال عبرةً لنا لنتذكّر أننا جميعنا متساوون في الهلاك، مع أن الأمور قد لا تبدو كذلك في الظاهر، تماماً كما أننا متساوون في المصائب والمتاعب، وفي السعادة أيضاً. نحن متساوون في الحياة والنفَس والموت، والباقي مجرد تفاصيل!