IMLebanon

لماذا تخلى نتنياهو عن سياسة الإنكار؟

اذا كانت التهديدات الأخيرة التي وجهها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى لبنان هي تكرار لمعزوفة قديمة ومعروفة، فإن الجديد كان حديثه العلني للمرة الأولى منذ خمس سنوات عن هجمات نفذتها إسرائيل داخل الأراضي السورية لمنع انتقال السلاح المتطور الكاسر للتوازن من سوريا الى “حزب الله”. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا خرج نتنياهو عن سياسة “الانكار” التي انتهجتها إسرائيل في السابق؟ وهل يعني هذا الاعتراف الانتقال الى مواجهة علنية مفتوحة ضد تعاظم القوة العسكرية لـ “حزب الله”؟

أشياء كثيرة تغيرت في خريطة المخاطر الأمنية التي تتهدد إسرائيل منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا ونجاح بوتين في الامساك بالملفين السياسي والعسكري في سوريا. ويبدو أن أي تدهور يمكن ان يحصل من الآن وصاعداً على حدود إسرائيل الشمالية سواء مع لبنان أو مع سوريا لا بد أن يعني الروس أيضاً بشكل من الأشكال، وخصوصاً في ضوء التفاهم العميق والتنسيق الوثيق القائم بين تل أبيب وموسكو. ويمكن المجازفة بالقول إن الوجود العسكري الروسي في سوريا أعاد تشكيل مخاطر الجبهة الشمالية وربما ساهم الى حد ما في لجم انعكاسات تعاظم النفوذ الإيراني في سوريا على إسرائيل، وكذلك خطر تعاظم القوة العسكرية لـ”حزب الله”.

لا يعني هذا ان الإسرائيليين يعتبرون روسيا قادرة على الحؤول دون نشوب حرب في المستقبل بينهم وبين “حزب الله”، أو أن مخاوف إسرائيل من الصعود الكبير لنفوذ إيران في سوريا ولبنان والمنطقة قد تراجعت، لكن الوجود العسكري الروسي في سوريا بدّل طبيعة هذه المخاطر وجعلها قابلة للجم والكبح.

في ظل الفوضى الأمنية الكبيرة التي تعمّ الدول العربية وغياب عنوان رسمي يمكن تحميله مسؤولية تدهور الأوضاع، تسعى إسرائيل الى تحصين أمنها من خلال تدعيم علاقاتها بلاعبين إقليميين دوليين. فنراها تستغل الصراع الدائر بين الدول العربية السنية بقيادة السعودية ضد المحور الشيعي بزعامة إيران بكل الوسائل من أجل مواجهة مفاعيل الاتفاق النووي الإيراني واحتواء انعكاسات رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران. كما تستغل الوجود العسكري الروسي في سوريا لضمان أمن حدودها.

تعتبر إسرائيل روسيا العنوان الصحيح وتريد منها الاعتراف بحقها في الدفاع عن الخطوط الحمر التي وضعتها أمام “حزب الله”. من هنا أن خروج نتنياهو عن سياسة الانكار الإسرائيلية هو مناورة لدفع الروس الى الحد بطرق سلمية من تعاظم القوة العسكرية لـ”حزب الله” من غير ان تضطر إسرائيل الى القيام بذلك بطرق عسكرية.