فيما تنشغل الاتصالات الممهدة لجلسة التمديد لمجلس النواب المحسوم عمليا باقناع الكتل المسيحية الاساسية الرافضة علنا للتمديد بتأمين الميثاقية لجلسة التمديد، تحظى مواقف هذه الكتل جميعها بانتقادات ضمنية حول ادارة هذا الملف وفق الحسابات الضيقة، فيما كان في الامكان التفاوض على تأمين ميثاقية الجلسة من خلال السعي في المقابل الى الحصول على جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتأمن لها النصاب. اي ان هناك من يرى انه كان يمكن السعي في ظل الالحاح الذي بات عليه التمديد لمجلس النواب والذي يهم افرقاء اساسيين لا سيما منهم المعطلين لجلسات انتخاب رئيس جديد، لمقايضة هذا التمديد لفترة محددة بالضغط من اجل انتخاب رئيس جديد، كما كان لوّح النائب وليد جنبلاط بربط مهلة التمديد بانتخاب رئيس الجمهورية. وهو سلاح بغض النظر عن احتمال نجاحه ام لا، لم يستخدمه الافرقاء المسيحيون كما يجب او انه لم يستخدَم اطلاقا .فهل ان التمديد لمجلس النواب امر مستهجن لدى الرأي العام المسيحي حتى تحصل كل المزايدات الشعبوية الرافضة له؟ وهل هذا الرأي العام مختلف عن الرأي العام السني او الشيعي على هذا الصعيد؟ فالتمديد امر يفضل عدم حصوله وغير مرغوب فيه لأنه مناقض للديموقراطية ويدحض نشوء حيوية سياسية ينبغي ان تفسح في المجال لشباب يتعين عليه ان يتولى هو المسؤولية. لكن اللبنانيين باتوا في ظل هواجس مختلفة امنية واقتصادية غير آبهين فعلا بانتخابات باتت لا تعد، اقله في الظروف المعروفة، باي تجديد في الحياة السياسية، وفق ما يفترض ان تأتي به الانتخابات النيابية في شكل عام. بل هي تساهم في تأبيد القيادات السياسية فحسب.
وهذا الانتقاد، تاليا، يطاول القوى المسيحية في 14 آذار التي تظهر إلحاحها على انتخاب رئيس جديد اكثر من التيار الوطني الحر الذي لا يتوانى في المقابل عن اظهار الاستعداد لانتظار طويل الامد حتى تحل العقد الاقليمية او، كما قال العماد ميشال عون قبل ايام، “ان الظرف غير مناسب لانتخاب رئيس “. فيتم الاتفاق على التحدث مع زعيمه على انتخابه، وفق ما يقول او حتى اقناع هذا الاخير بانتخاب رئيس توافقي كما يقول الآخرون، وذلك في ظل استغراب لما يرفعه مسؤولو التيار من شعار ان ” لا فرق بين وجود رئيس او عدم وجوده بحسب ما نراه اليوم “، وفق تعبير الوزير جبران باسيل اخيرا. ذلك علما ان التمديد لمجلس النواب ما كان ليطرح على الارجح او ليكون صعبا لو كانت حصلت الانتخابات الرئاسية. بمعنى ان التيار الرافض للتمديد ظاهرا وعلنا ساهم بنفسه في الوصول الى التمديد اكثر من سواه، وفق ما ترى مصادر سياسية عليمة، من خلال تعطيله النصاب في كل الجلسات لانتخاب رئيس جديد ما لم يكن الهدف الوصول الى الفراغ في مجلس النواب ايضا. وحين اعتبر العماد عون على اثر زيارته المفتي الجديد للجمهورية عبداللطيف دريان ان عمل الحكومة راهنا هو عمل استمرارية اكثر مما هو عمل ادارة وعمل مخطط كما قال، فانما ذلك يتصل بشغور موقع الرئاسة الاولى ما يتناقض واعتبار فريقه ان لا فرق بين وجود رئيس راهنا وعدم وجوده وفق ما ترى هذه المصادر. فلو كان انتخب رئيس جديد لكان عمل الحكومة مختلفا كما سائر المؤسسات التي تنتظم تحت سقف رئاسة الجمهورية في حين ان عمل المؤسسات لا يعتدّ به راهنا في ظل الفراغ الرئاسي .
وتشعر هذه المصادر بالاسف للتعاطي مع موقع رئاسة الجمهورية كأنه يمكنه الانتظار ما يساهم في تعميم فكرة ان هذا الموقع لا أهمية له وان الدولة منتظمة على رغم فراغ بات حتى الآن يتخطى الخمسة اشهر ومرشح للاستمرار مدة مماثلة في ظل عدم وجود معطيات مناقضة لهذا الاتجاه، وكل ذلك في غياب اي آلية مدنية او سياسية ضاغطة تحرج الافرقاء السياسيين وتدفعهم الى المشاركة في انتخاب رئيس جديد. فموقع الرئاسة، في رأي هذه المصادر، يتعرض للتآكل اليومي على صعيد الهالة التي تحيط به وفي أهمية الموقع في حماية البلد ومدى نفوذه المعنوي كما في تأثيره، وهو تآكل تدريجي سيظهر لاحقا. فالفكرة التي تسري ان اللويا جيرغا التي بات يشكلها مجلس القرار الحكومي المشترك الذي يضم مختلف الافرقاء السياسيين يوحي بأن موقع الرئيس بات بروتوكوليا او شرفيا على عكس ما هو الواقع. فيما لا ترى مصادر اخرى ان موقع الرئاسة في حد ذاته في خطرعلى رغم ان الظرف الاستثنائي الذي يؤدي الى اطالة أمد الفراغ يترك تفاعلات مختلفة في زمن تهديدات اقليمية ومتغيرات اساسية خطيرة لا يعرف احد مداها او انعكاسها على لبنان. وهي ترى ان التعثر في ادارة البلد او ادارته بما تيسر من شأنه ان يظهر اكثر فأكثر أهمية انتخاب رئيس. وتاليا لا تخوف لديها من عدم انتخاب رئيس للجمهورية او على صلاحيات الرئاسة التي تبقى على رغم تناقصها مهمة لحسن سير ادارة الدولة، بل ان كل الخشية كما ترى هي من تهديد النظام السياسي الذي يمر بمأزق باعتبار ان الفراغ في سدة الرئاسة الاولى يمكن ان يلحق به فراغ على مستوى مجلس النواب وفراغ حكومي.