قد يكون مفهوماً أن لا يتدخل «حزب الله» لإيصال العماد ميشال عون على طريقة تدخّله في إيصال الرئيس نجيب ميقاتي، ولكن ما ليس مفهوماً عدم مبادرته إلى الحوار مع الدكتور سمير جعجع من أجل تبديد هواجسه بانتخاب عون.
«حزب الله» حليف عون، وهذا معروف. دخل في حوار مع «المستقبل» تحت عنوانين: تبريد الساحتين السنية والشيعية، وإنهاء الفراغ الرئاسي. جدّد حواره مع بكركي تحت العنوان الرئاسي الذي يشكل هاجساً مستمراً لسيّد هذا الصرح.
تواصله مع النائب وليد جنبلاط لم ينقطع منذ أحداث أيار ٢٠٠٨. إنفتحَ على الكتائب في محاولة حوارية لم يكتب لها النجاح، ولكنها دلّت الى وجود استعدادات متبادلة، إنما تتطلب ظروفاً أفضل…
وفي كل هذا المشهد لم يبق سوى «القوات اللبنانية» التي يستثنيها «حزب الله» في حواراته المتنقلة. وهذا الاستثناء، على مستوى المبدأ، يصبّ في مصلحتها، لأنه يعبّر عن انزعاجه من تصلّبها. ولكنه، على المستوى العملي، يؤشّر إلى معطيين في الشكل والمضمون.
أولاً، في الشكل، إنّ رفض التعاطي مع «القوات» ينمّ عن رغبة بعَزلها واستبعادها، وإلّا كيف يمكن تفسير حرصه على الانفتاح على كل القوى السياسية باستثنائها؟ فلا يمكن أن يتحجّج بأسباب مسيحية تجنّباً لإزعاج عون، لأنه حاور «الكتائب» ويحاور بكركي، ومَن لديه النيّات الحقيقية للحوار والانفتاح والتواصل والتبريد لا يستثني فريقاً أساسياً من حواراته.
ثانياً، في المضمون، إنّ جوهر الحوار الذي يدور بين الحزب ومحاوريه يتركز حول ملف رئاسة الجمهورية، وفي هذا الملف هو يدرك حقيقتين:
الحقيقة الأولى أنّ طريق «الرابية» إلى «بعبدا» تمرّ في «معراب»، وأنّ عقدة وصول عون يجب تذليلها مع جعجع، وأنّ انتخاب عون يتوقف على نتائج ومؤديات حواره مع جعجع.
الحقيقة الثانية، أنّ العقبة الأساسية أمام وصول عون هي تحالفه مع «حزب الله»، فرئيس «القوات» واضح في هذا المجال، وهو لا يتحدث عن ضمانات ولا عن أجندة مسيحية، بل حصراً عن أجندة وطنية، لأنه في السياسة لا أحد ينتخب خصمه، ولأنّ انتخابه يجب أن يرتكز على مساحة سياسية مشتركة.
فالحاجز الأبرز إذاً أمام اجتيازه عتبة قصر بعبدا هو «حزب الله»، فيما الملفات الأخرى التي شكلت مادة خلافية على امتداد ثلاثة عقود وجعلت الثقة بينهما «صفراً» يتمّ العمل على معالجتها، خصوصاً أنّ القضية الوطنية الخلافية اليوم هي سلاح الحزب ودوره.
وتأسيساً على ما تقدم، لعلّ السؤال الذي يطرح نفسه يتمثّل بالآتي: لماذا لا يبدد «حزب الله» هواجس جعجع من انتخاب عون؟ وألا يجد نفسه معنياً بمساعدة عون على التخفيف من هواجس جعجع؟ وألا يشكّل حوار الحزب مع رئيس «القوات» تسهيلاً لوصول رئيس «التيار الحر»؟
وألا يشكّل رفض الحزب للحوار مع «القوات» تصلّباً لموقفها خوفاً من تحقيقه اختراقاً في المشهد الوطني؟ وهل هذا فعلاً ما يريده «حزب الله»، لأنه في العمق لا يريد وصول عون رئيساً؟ ولماذا لم يبذل أي جهد إن باستمالة جنبلاط لانتخاب عون، أو بإقناع جعجع انّ انتخاب عون لا يعني انتصاراً إيرانياً وإطباقاً على الوضع السياسي؟
فالأكيد أنّ أيّ حوار بين الحزب و»القوات» يشكّل عاملاً مساعداً لعون لا العكس، لأنّ جوهر المشكلة بين رئيس «التيار الحر» ورئيس «القوات» هي الحزب نفسه. وبالتالي، لا يستطيع الحزب أن ينأى بنفسه عن هذه القضية وكأنه غير معنّي، إلّا في حالة واحدة وهي رفضه انتخاب ميشال عون.
وتبديد هواجس جعجع يعني تبديداً لهواجس ١٤ آذار، الأمر الذي يصبّ في مصلحة الجميع، وتحديداً الرئاسة المسيحية التي من غير المسموح أن يتعامل معها «حزب الله» كموقع نفوذ متقدم لدوره، لأنّ استمراره في حجزها عبر الإيحاء بوصول حليفه حصراً ينمّ عن رسالة مزدوجة: حليفي أو الفراغ، وهذه الرسالة تعني انه يريد أن يستخدم الموقع المسيحي في صراعه،
وانه يتحمل جزءاً من مسؤولية التفريغ، ويتحمل جزءاً من مسؤولية إضعاف المسيحيين في اللحظة التي يتعرضون فيها في المنطقة لعملية إبادة، فيما المطلوب من الحزب أمرين: إمّا تسهيل وصول عون بإعلانه تحييد الرئاسة عن نزاعه مع السنة في لبنان والمنطقة، وإمّا التقاطع مع ١٤ آذار على رئيس وسطي. ويبقى أنّ جعجع لا يستجدي حواراً مع «حزب الله»،
وهو كان بادرَ إلى تعليق مشاركته في هيئة الحوار الوطني نتيجة إدراكه انّ الحوار أصبح لمجرد الحوار، بل تحوّل إلى غطاء وطني للحزب، وكان بادرَ أيضاً إلى رفض المشاركة في حكومة واحدة مع الحزب التزاماً بالشروط التي كانت وضعتها ١٤ آذار برَفض المساكنة قبل خروجه من سوريا وتسليم سلاحه والمتهمين باغتيال رفيق الحريري، ولكنّ الموضوع هنا مختلف ولا يتعلق بحوار وطني، بل بحوار ثنائي ومحدد بالملف الرئاسي.
فهل يبادر «حزب الله» إلى فتح حوار مع جعجع من أجل تسهيل وصول عون؟