28 تشرين الثاني 2014
لا شيء يدلّ حتى الآن على أن الولايات المتحدة الأميركية قائدة التحالف الدولي جادة في مكافحة الارهاب بالطريقة التي تعتمدها، وهي طريقة أثارت خلافاً دفع الرئيس باراك أوباما إلى إخراج وزير الدفاع تشاك هيغل، وهو الجمهوري الوحيد، من الحكومة، كما أن هذه الطريقة لا تحظى أيضاً بموافقة كل دول التحالف التي لا يشارك سوى عدد ضئيل منها في الضربات الجويّة وهي ضربات يعترف الجميع بأنها تبقى غير مجدية إذا لم يكن على الأرض قوّة تأخذ مكان الارهابيين عندما يفرّون من مواقعهم بفعل هذه الضربات.
لذلك فإن الادارة الأميركية قد تواجه ارتباطاً إذا ما اشتد الخلاف بين سياسة “البنتاغون” وسياسة الكونغرس حيث الأكثرية فيه باتت للجمهوريين ويصبح القرار المطلوب اتخاذه إما حرب جدية ضد التنظيمات الارهابية براً وبحراً وجواً للقضاء عليها بسرعة، وإما لا تكون مثل هذه الحرب فتطول المواجهة التي ليست لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، أو تجعل المواجهة البطيئة تصبّ في مصلحتها إذا ما وجهت التنظيمات الارهابية وفق ما تقضي به مصالحها في المنطقة، سواء بتغيير أنظمة فيها أو المحافظة عليها.
لقد قرّر المجتمع الدولي خوض حرب ضد الارهاب بقرارات صدرت عنه لكنها لم تمنع ازدياد العنف والاجرام والاغتيال بسبب الخلاف على تحديد مفهوم الارهاب. ففي أيلول 2001 صدر قرار رقمه 1373 حول مكافحة الارهاب أعاد فيه تأكيد قراريه 1269 عام 1999 و1368 بادانة الهجمات الارهابية التي وقعت في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا وأي عمل ارهابي يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين، ودعوة جميع الدول الى العمل معاً وعلى نحو عاجل على منع الاعمال الارهابية والقضاء عليها من خلال التعاون التام والتنفيذ الكامل للاتفاقات الدولية التي توجب على كل دولة الامتناع عن تنظيم أي أعمال ارهابية في دولة أخرى أو المساعدة أو المشاركة فيها أو قبول نشاطات منظمة في أراضيها، وكذلك وقف تمويل الاعمال الارهابية وتجميد الأموال وأي أصول مالية أو موارد اقتصادية لأشخاص يرتكبون أعمالاً ارهابية أو يشاركون فيها أو يسهّلون ارتكابها. وأنشأ مجلس الأمن لجنة مراقبة تنفيذ قرارات مكافحة الارهاب.
وعاد مجلس الأمن الدولي وأصدر القرار 2170 بالاجماع وتحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، ما يجعل تنفيذه لمكافحة الارهاب يتمّ بالقوّة العسكرية إذا لزم الأمر، وهو ما تطلّب تشكيل التحالف الدولي.
لكن روسيا والصين ظلتا خارج هذا التحالف وإن كانتا من حيث المبدأ مع مكافحة الارهاب لكنهما تريدان معرفة التفاصيل وتحديد التنظيمات التي تعتبر ارهابية قبل اتخاذ قرار بضربها مثل “حزب الله” وحركة “حماس” و”الجهاد الاسلامي”و” الحزب الديموقراطي الكردي و”طالبان” وبوكو حرام” وغيرها… لئلا تكون مكافحة الارهاب ذريعة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط واعادة توزيع مناطق النفوذ على أسس جديدة وحدود جديدة بديلاً من التوزيع الذي اعتمده اتفاق “سايكس – بيكو”، وكيف يمكن التوفيق بين اعتبار تنظيمات ارهابية يجب ضربها وبينها من يشارك في حكومات ويتلقى مساعدات.
وكانت روسيا قدمت اقتراحاً لمكافحة الارهاب وافق عليه مجلس الامن عام 2004 يدعو كل الدول إلى التعاون في ذلك وخصوصاً الدول التي تمارس فيها الاعمال الارهابية او يتعرض مواطنوها لأعمال ارهابية. ونص القرار على انشاء مجموعة عمل مؤلفة من اعضاء المجلس تقترح اجراءات عملية ضد أشخاص لهم صلة بنشاطات ارهابية، وصار تحديد 90 يوماً لوضع قرارات مكافحة الارهاب موضع التنفيذ ولا سيما القرار 2170. وكان الرئيس أوباما قد طلب من الكونغرس الموافقة على انشاء صندوق لمكافحة الارهاب بمبلغ خمسة مليارات دولار لتدريب وبناء القدرات والتعاون مع الدول التي تحارب الارهاب. ولم يعرف حتى الآن أين أصبح هذا المبلغ وهل يصرف لمكافحة الارهاب فعلاً أم لشيء آخر، اذ انه منذ أن قام التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب فإن تنظيم “داعش” واخواته لا يزال ناشطاً ومتحركاً في العراق وفي سوريا ولم يتم القضاء نهائياً عليه حتى في بلدة واحدة هي عين العرب الكردية على رغم كل الضربات الجوية والحشد الكردي فيها الذي يتصدى لهذا التنظيم.
فهل يكون الخلاف بين الرئيس أوباما ووزير الدفاع هيغل الذي أدى إلى استقالة الأخير بداية خلاف بين الادارة الاميركية والكونغرس حيث بات للجمهوريين فيه أكثرية؟ فضلاً عن الخلاف داخل التحالف الدولي حول التمييز بين الارهاب والجهاد والمقاومة، ما يجعل الحرب على الارهاب طويلة وغير حاسمة والقرارات التي صدرت عن مجلس الأمن لمكافحة الارهاب تبقى حبراً على ورق إلا إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية التي تكبّر حجم الارهاب وخطره تريد من خلال ضربه ببطء تحقيق اهداف غير مكتوبة وغير معلنة!