IMLebanon

لماذا لا يتوافقون على رئيس مداورة بين القادة الموارنة

لا يُدرج البابا فرنسيس لبنان على جدول زياراته الى الخارج أقلّه خلال العام الحالي، رغم أنّه من بين دول الشرق الأوسط التي هي بأمسّ الحاجة لبركته، على ما يقول مصدر كنسي بارز، وذلك ليس لأنّ لبنان لا يستحوذ على اهتمامه وتفكيره، إنّما لأنّ ليس فيه رئيس يقوم بتوجيه الدعوة الرسمية الى قداسته كونه يُعتبر رئيساً للفاتيكان. وتتطلّب تلبية الزيارة دعوة أولى من نظيره، وثانية من الكنيسة المحلية وهي جاهزة لتوجيهها في أي وقت لا سيما بعد انتخاب الرئيس العتيد للبلاد.

وإذ يُحبّذ البابا حصول الإنتخاب في أسرع وقت، على ما يُضيف، إلاّ أنّه لا يُمكنه الضغط في هذا الإتجاه، خصوصاً وأنّ الأطراف المعنية هي التي لا تبدي حماستها للانتخاب، وهو لن يُرغمها على ذلك بطبيعة الحال. ويقترح المصدر نفسه أن يُصار الى انتخاب رئيس الجمهورية العتيد من بين القادة الأربعة الذين اجتمعوا في بكركي تحت عباءة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، خصوصاً وأنّ كلّ منهم يتمتّع بمواصفات الرئيس، على أن يجري التوافق على المداورة. وليأخذ كلّ منهم فرصته ودوره كزعيم مسيحي ماروني يُمثّل شريحة من المسيحيين وبإمكانه التفاهم مع الأطراف الأخرى في البلاد.

ولا يرى في هذا الحلّ إجحاف بحقّ أي من القادة الأربعة أو الشخصيات المسيحية الأخرى التي تطمح للرئاسة، على العكس تماماً، على ما يؤكّد المصدر، شرط أن يتمّ التوافق على هذا الأمر من دون إقحام دول الخارج. ويُشبّه هذا الوضع بما يحصل بالنسبة لرئاسة الحكومة، فالكلّ يعلم أنّ الرئاسة الثالثة غالباً ما تكون محصورة بين 3 أو 4 أسماء، وإذا استعرضنا تاريخ الحكومات الأخيرة لوجدنا أنّها تألّفت بالمداورة، وإن بشكل غير علني. فمن نجيب ميقاتي الى فؤاد السنيورة الى سعد الحريري، تشكّلت الحكومات فيما بينهم بالتناوب، على أنّ إسم رئيس الحكومة الحالية تمّام سلام أضيف أخيراً الى اللائحة التي يتضمّنها أيضاً إسم محمد الصفدي، إلاّ أنّه لم ينل فرصته بعد.

فإذا كانت رئاسة الحكومة تدور حول هذه الأسماء المذكورة، فما الذي يمنع من اعتماد الطريقة نفسها بالنسبة لرئاسة الجمهورية، علّها تُنقذ البلاد من الشغور الذي تعاني منه، وتجعل السلطة متواصلة لا يشوبها أي فراغ؟ كذلك فإنّ الأمر نفسه يجب أن يُطبّق على رئاسة مجلس النوّاب، وعندها لا يعود الفراغ في أي من المؤسسات العامة الرئيسية يُهدّد البلاد ومستقبل أبنائها.

ولعلّ أكثر ما يهمّ البابا فرنسيس فيما يتعلّق بالملف الرئاسي في لبنان، على ما يوضح المصدر نفسه، هو توافق المسيحيين فيما بينهم، ثمّ مع الأطراف الأخرى، لأنّ هذا الأمر يؤدّي الى استمرارية الحكم وتخطّي الخلافات والصعوبات، كما الى حلّ كلّ المشاكل العالقة. فهذا ما يريد قداسته رؤيته في لبنان وسائر دول المنطقة، أي عودة الهدوء والاستقرار والتفاهم اليها، لكي تعيد بناء ما تهدّم، من الحجر الى القيم، وتؤمّن مستقبلاً أفضل للأجيال الصاعدة.

وفي رأيه إنّ التوافق على إسم الرئيس، أفضل بكثير من ترك المنصب شاغراً لفترة إضافية بعد، لا سيما وأنّ القرار متروك للمسيحيين ولا يُمكن لأحد أن يتدخّل فيه، في حال حصل التوافق بينهم. أمّا تأييد إسم شخص من قبل إثنين من الأربعة، فيبقى ناقصاً ويحتاج الى المزيد من التأييد المسيحي ليتمكّن من الحصول على تأييد الأطراف الأخرى المسلمة الشريكة في الوطن. ومن المهمّ أن يتمّ انتخاب الرئيس القوي القادر على تسيير شؤون البلاد، لا سيما مع ما تواجهه اليوم من مشاكل داخلية، فضلاً عن تداعيات أزمات الجوار عليها.

وأفضل الطرق الى التوصّل لانتخاب الرئيس، على ما يشير، هو الحوار بين الأطراف المعنية مباشرة من جهة، ثمّ الذهاب الى الشركاء وعرض عليهم ما جرى الإتفاق عليه. أمّا عدا ذلك، فيبقى إتفاقات ثنائية، أو آنية لا توصل أي مرشح ماروني الى قصر بعبدا الشاغر منذ سنة وثمانية أشهر. كما تلعب دور توسيع الشرخ بين القادة المسيحيين الذين توافقوا في بكركي على تأييد ترشيح أي منهم.

ويخشى البابا فرنسيس، كما الكاردينال الراعي من خسارة المسيحيين لهذا الدور، في الوقت الذي «يتصارعون» فيما بينهم على موقع الرئاسة من دون أن يحسبوا أي حساب لما يُمكن أن يُرسم لهم في الخفاء، وهم يماطلون ويضيّعون الفرص. ولهذا ينادي الكاردينال الراعي في كلّ مناسبة الى ضرورة إسراع النوّاب الى البرلمان وقيامهم بواحبهم الدستوري وانتخاب الرئيس في أسرع وقت ممكن، لكي لا نفقد هذا الموقع مع مرور الزمن، ولكي يستعيد لبنان احترام الدول الخارجية له، وثقتهم به.

ويؤيّد المصدر الكنسي نفسه اتفاق عون- جعجع الأخير والمتعلّق بالملف الرئاسي، كما أي اتفاق مسيحي آخر يحصل في هذه الفترة بالذات، شرط أن يؤدّي الى حلّ مسألة الاستحقاق الرئاسي ويوصل أي مرشح الى قصر بعبدا، لأنّ الاتفاقات من دون نتيجة ملموسة، كأنّها لم تكن، وإن زادت اللحمة بين أبناء الوطن.