ان دلّ الاعتداء على المركز الرئيسي لـ»بنك لبنان والمهجر» احد اكبر المصارف اللبنانية، على شيء، فهو يدلّ على كميّة الحقد على لبنان واللبنانيين وعلى بيروت بالذات.
لا يمكن عزل التفجير، المعروف جيدا من يقف خلفه، عن المحاولات الهادفة الى القضاء على لبنان وذلك منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وسلسلة الاغتيالات والتفجيرات التي تلت الاغتيال.
كان الرئيس سعد الحريري مباشرا في خطابه في مجمّع «البيال» وسط بيروت مساء السبت الماضي. تحمّل زعيم «تيّار المستقبل» قبل كلّ شيء مسؤولية كل المحاولات التي استهدفت لملمة الوضع اللبناني وحماية البلد، حتّى عندما كانت كرامته الشخصية على المحكّ.
ما لم يقله سعد الحريري انّ لا شيء يحدث بالصدفة في لبنان وانّ الحملة التي تتعرّض لها المصارف حاليا جزء لا يتجزّأ من الحملة التي تستهدف البلد من اجل تحويله الى مستعمرة إيرانية بكلّ ما لكلمة مستعمرة من معنى. لو لم يكن الامر كذلك، لما كانت واجهته في اثناء زيارته لطهران في العام 2010، عندما كان رئيسا لمجلس الوزراء، ثلاثة مطالب. دفع غاليا ثمن رفضه تلبية هذه المطالب الايرانية الغريبة التي جاء بعده من يلبي أولها وهو اعفاء المواطنين الايرانيين من تأشيرة دخول الى لبنان… اسوة بالمواطنين الاتراك!
امّا المطلبان الآخران فكانا توقيع معاهدة دفاع مشترك، أي معاهدة عسكرية، بين لبنان وايران، من دون الأخذ في الاعتبار علاقات لبنان الدولية وانتمائه العربي، والسماح لإيران بدخول النظام المصرفي اللبناني. كان الهدف من المطلب الأخير وهو الاهمّ بين المطالب الثلاثة، تجاوز ايران للعقوبات المفروضة عليها من المجتمع الدولي، حتّى لو الحق ذلك ضررا بلبنان.
ما زال قسم من هذه العقوبات المفروضة على ايران ساريا الى الآن على الرغم من التوصل الى اتفاق في شأن ملفّها النووي، علما ان بعض هذه العقوبات رفع. هل يعتبر «حزب الله» الذي زادت العقوبات الدولية والعربية عليه بعد اكتشاف الدور الذي يلعبه على غير صعيد خارج الحدود اللبنانية ان ظلما لحق به؟ هل يعتقد انّ تخفيف العقوبات على ايران كان يجب ان يشمله أيضا بصفة كونه لواء في «الحرس الثوري» الايراني وليس فقط ميليشيا مذهبية لبنانية تابعة كلّيا لإيران؟ لماذا لا يطلب «حزب الله» وساطة ايران مع «الشيطان الأكبر» في ظلّ كلّ هذا الغزل بين طهران وواشنطن وفي ظل التنسيق القائم بينهما في العراق وغير العراق؟
ليس لبنان من يتحكّم بالقرار الاميركي او بالقرارات العربية التي جعلت من «حزب الله» حزبا «إرهابيا». كلّ ما يستطيع لبنان عمله، وهذا واجب عليه، هو حماية نفسه وحماية نظامه المصرفي في ضوء ممارسات «حزب الله».
لعلّ اهمّ ما كشفه الانفجار الذي استهدف «بنك لبنان والمهجر» ان لبنان آخر همّ لدى «حزب الله». لبنان بالنسبة الى الحزب ورقة إيرانية لا اكثر. ما دام نشر البؤس واليأس ينفع في اخضاع اللبنانيين، لا مانع لدى الحزب في ذلك. كل المطلوب هو استرضاء ايران ولو كلّف ذلك مقتل مئات اللبنانيين في الحرب التي يشنها النظام العلوي على شعبه… وتهجير عشرات الآلاف من الشبان الى حيث يوجد بلد يقبل بهم.
كشف تفجير بيروت عمق الازمة التي يعاني منها «حزب الله» ومن خلفه ايران التي تسعى الى تدبر امورها الخاصة بغض النظر عمّا يحل بالحزب وبلبنان. هذا هو بيت القصيد في نهاية المطاف. وهذا ما يطرح العودة الى السؤال البديهي الذي يطرح نفسه منذ سنوات طويلة. هل لدى «حزب الله» هامش للمناورة، حتّى لو كان مجرد هامش صغير، يسمح له بالقيام بعملية نقد ذاتي انطلاقا من انّ لبنان لا يستطيع تعريض نظامه المصرفي للخطر، الّا اذا كان يريد ان يلغي نفسه؟
هل لدى الحزب القدرة على استيعاب هذه المعادلة البسيطة… ام ان عملية تدمير لبنان، التي تشمل منع مجلس النوّاب من انتخاب رئيس جديد للجمهورية وعزله عن محيطه العربي، خصوصا الخليجي، هدف بحد ذاته للحزب ولايران؟
مرّة أخرى، من المفيد ان لا يضيع اللبنانيون البوصلة. مشكلتهم الاولى والأخيرة مع السلاح غير الشرعي. انّها مع من يسعى الى الغاء البلد وتوريطه في كلّ الازمات التي تمرّ فيها المنطقة كي لا تقوم له قيامة يوما ما. من اغتيال رفيق الحريري، الى تفجير «بنك لبنان والمهجر» مرورا بحرب صيف 2006 وغزوة بيروت والجبل والتورط في حرب النظام السوري على شعبه ومنع العرب من المجيء الى البلد الذي لم يعد لديه رئيس للجمهورية، هناك خيط غير رفيع يربط بين كلّ هذه الاحداث والجرائم. كلّما قاوم اللبنانيون، كلّما زادت الحملة عليهم وعلى بلدهم.