من المضحك ان يوجد في العالم العربي من ينتقد الزيارة الاخيرة التي قام بها لإسرائيل وزير الخارجية المصري سامح شكري. قبل كل شيء، هناك علاقة ديبلوماسية بين البلدين وهناك سفارة مصرية في تل ابيب وسفارة إسرائيلية في القاهرة وذلك منذ العام 1979، أي منذ سبعة وثلاثين عاماً.
كان طبيعياً ان تأتي الزيارة بعد جولة افريقية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي أراد استغلال حال الفراغ في القارة السمراء. استغل الفراغ ليقوم بجولة فيها بين الثاني والسابع من الشهر الجاري. كان التركيز في الجولة التي شملت بعض دول حوض النيل مثل اوغندا واثيوبيا وكينيا وجنوب السودان على استعادة إسرائيل لدورها في هذه الدول.
ما كان ملفتا في الجولة هو اصطحاب رئيس الوزراء الإسرائيلي خمسين رجل اعمال إسرائيليا يمثلون خمسين شركة كبيرة لتأكيد ان بلاده جدّية في دخول السوق الافريقية من بوابة الدول التي زارها. اليس من حق مصر معرفة ما هي نتائج جولة نتانياهو في دول تقع في معظمها على حوض النيل؟ اليس النيل شريان الحياة بالنسبة الى مصر؟
استهل رئيس الوزراء الإسرائيلي الجولة بمطار عنتيبي حيث استقبله الرئيس الاوغندي يوري موسيفيني. كان استقبال نتانياهو في عنتيبي، وهو المطار الرئيسي في اوغندا، في ذكرى مرور أربعين عاماً على العملية التي نفذتها قوات خاصة إسرائيلية انقذت ركاب طائرة «أير فرانس» اختطفتها مجموعة من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» (جناح وديع حداد) بمشاركة اثنين من منظمة «بادر ماينهوف» الألمانية. كان على الطائرة عدد كبير من الإسرائيليين الذين احتجزتهم «الجبهة الشعبية» في عنتيبي بالتواطؤ مع الرئيس الاوغندي وقتذاك عيدي امين الذي ليس معروفاً الدور الذي لعبه في مساعدة الإسرائيليين… او في التصدي لهم. لكن الأكيد ان القوات الإسرائيلية التي نفّذت العملية دمرت إحدى عشرة طائرة «ميغ» كانت جاثمة في المطار، وهي تشكل ربع سلاح الجو الاوغندي وقتذاك. في المقابل، قتل جندي اوغندي قائد القوة الإسرائيلية يوناتان نتانياهو الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
استطاعت القوات الخاصة الإسرائيلية التي جاءت في ثلاث طائرات نقل عسكرية (سي. 130) حطت في نيروبي للتزود بالوقود، كما توقفت فيها في طريق العودة الى إسرائيل، اطلاق الرهائن من ركاب الطائرة الفرنسية. كذلك، قتل الإسرائيليون خاطفي الطائرة وعددهم أربعة إضافة الى ثلاثة من أربعة فلسطينيين انضموا اليهم في عنتيبي. يشير ذلك الى تواطؤ بعض الذين كانوا محيطين بعيدي امين مع الخاطفين… هذا اذا لم يكن عيدي امين بنفسه هو المتواطئ.
من المفيد العودة الى ما جرى في مطار عنتيبي قبل أربعين عاماً للتأكد من عمق التغييرات التي شهدها الشرق الاوسط من جهة ومدى تراجع القضية الفلسطينية من جهة أخرى. وهذا ما يبدو ان مصر اخذت علما به. صار في الإمكان القول ان مصر تتصرف انطلاقا من الواقع وليس استنادا الى أوهام جعلتها تخسر حرب العام 1967.
المفارقة، انّ هناك جهات سعت الى استغلال جولة نتانياهو للشماتة بمصر والقول انّها لم تحرّك ساكناً. كان ردّ مصر بإرسال وزير خارجيتها الى إسرائيل في زيارة هي الاولى من نوعها منذ العام 2007. الواضح ان الهدف من الزيارة انقاذ ما يمكن إنقاذه فلسطينياً في وقت توجد في إسرائيل حكومة لا تؤمن سوى بالاحتلال. كذلك، ترتبط هذه الزيارة بالجولة الافريقية لرئيس الوزراء الإسرائيلي. اين المشكلة في حال وجدت مصر ان مصلحتها معرفة ما اسفرت عنه هذه الجولة؟
في الواقع، كان تصرّف مصر اكثر من طبيعي، خصوصاً أنّها منهمكة في ترتيب أوضاعها الداخلية، فضلًا عن ان ليس ما يشير الى ان إسرائيل، التي تربطها بها معاهدة سلام، تسعى حالياً الى عقد صفقات على حسابها مع دول حوض النيل. مصر تعمل بما يخدم مصالحها، فيما إسرائيل تسعى الى تحقيق اختراقات في افريقيا في غياب أي نوع من الديبلوماسية الفلسطينية او العربية في هذه الايّام.
ليس معروفاً هل يمكن لوم السلطة الوطنية الفلسطينية في هذا المجال ام لا. الامر الثابت ان الايّام التي كان فيها الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات يسرح ويمرح في افريقيا ويقيم تحالفات مع دول مهمّة في القارة السمراء، ولّت الى غير رجعة. لماذا لا تتولّى ايران مهمّة ملء الفراغ الفلسطيني والعربي في افريقيا ما دامت اخذت على عاتقها المتاجرة بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين وقرّرت احياء «يوم القدس«. هل بالكلام وحده والتظاهرات والعراضات في بيروت وبغداد وطهران وإثارة الغرائز المذهبية، في هذا البلد الافريقي او ذاك، تعود القدس الى الفلسطينيين وتعود قضية فلسطين الى الواجهة؟
لن تنطلي على مصر مزايدات المزايدين من الذين يريدون احراجها بسبب العلاقة الحميمة القائمة بين إسرائيل واوغندا واثيوبيا وكينيا وجنوب السودان الذي اصبح دولة مستقلة عاصمتها جوبا، علماً انّ جنوب السودان في وضع لا يحسد عليه.
كلّ ما يمكن قوله هذه الايّام ان ثمّة حاجة الى التعاطي مع واقع جديد في المنطقة بعيداً عن الشعارات والاوهام والاحلام. لا يمكن مواجهة إسرائيل في افريقيا على الرغم من كلّ الظلم اللاحق بالشعب الفلسطيني وعلى الرغم من انّها تمارس إرهاب الدولة.
هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها. تتمثّل هذه الحقيقة في انّ افريقيا نسيت القضية الفلسطينية ونسيت فلسطين. دولة مثل اثيوبيا في حرب مستمرّة مع اريتريا التي كانت في الماضي جزءاً منها… ودولة مثل كينيا مهتمة قبل كلّ شيء بامنها الوطني في ظل الهجمات الإرهابية التي تتعرّض لها بين حين وآخر من عصابات إرهابية تتسلل من الصومال.
اما مصر، فهي في مرحلة عليها ان تتساءل فيها ما انعكاسات التقارب التركي – الإسرائيلي على الوضع في قطاع غزّة. هل يمكن ان تتخلى «حماس» عن نهجها القائم على توفير حاضنة للارهاب والإرهابيين الذين يتحرّكون في سيناء وهدفهم الامن المصري من منطلق الانتماء الحمساوي لحركة الاخوان المسلمين؟
تغيّرت المنطقة وتغيّرت هموم أهلها. يخطئ كلّ من يفكر وفق نهج قديم من نوع ان وزير الخارجية المصري جاء الى إسرائيل للتعبير عن استياء مصر من الجولة الافريقية لنتانياهو. من يفكّر بهذه الطريقة، انّما يعيش خارج التاريخ وخارج الجغرافيا لا اكثر. من يفكّر بهذه الطريقة، انّما يعيش في الماضي وذلك في الوقت الذي ليس لدى الشامتين بمصر أي حلول بديلة يمكن ان تؤدي الى مواجهة السياسة الإرهابية التي تمارسها إسرائيل في حق الفلسطينيين… او التعاطي مع الوضع الشاذ القائم في غزة منذ العام 2007. هذا الوضع الذي يشكّل خطرًا على الامن المصري والذي لا يبدو ان إسرائيل بعيدة عنه كثيرًا. هل ما يبرر الشماتة بمصر في ظل المعطيات القائمة، ام تفرض الضرورة تفهّم وضعها ومساعدتها في تجاوزه؟