هل كتب للبنان أن يواجه عند كل استحقاق رئاسي أزمات حادة أو أحداثاً أمنيّة لا خروج منها إلاّ بتدخّل خارج نافذ، إمّا لأن لا رجال دولة فيه، وإمّا لأن بعضهم تابع لهذا الخارج أو ذاك ويسمع كلمته لا كلمة لبنان وشعبه.
لقد انتخب كميل شمعون رئيساً للجمهورية بعد “ثورة بيضاء” أطاحت عهد الرئيس الشيخ بشارة الخوري. وانتخب اللواء فؤاد شهاب رئيساً بعد “ثورة حمراء” قامت بذريعة منع التجديد لشمعون. وانتخاب الياس سركيس رئيساً للجمهورية تحت القصف المدفعي على “فيلا منصور” المقر الموقّت لمجلس النواب بفعل انقسام داخلي بين المحور السوري والمحور الفلسطيني. وانتخب الشيخ بشير الجميل رئيساً للجمهورية خارج مقر مجلس النواب وفي ظل الاحتلال الاسرائيلي للجنوب وقد بلغ العاصمة بيروت، فخلفه شقيقه الرئيس أمين الجميل في ظل هذا الاحتلال أيضاً… وانتخب رينه معوض رئيساً للجمهورية خارج مقر مجلس النواب أيضاً بعد عقد مؤتمر في الطائف أخضع لبنان لوصاية سورية، وانتخب بعد اغتياله الياس الهراوي رئيساً للجمهورية خارج مقر مجلس النواب أيضاً وأيضاً، ثم العماد اميل لحود في ظل هذه الوصاية. ولم ينتخب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية إلاّ بعد عقد مؤتمر في الدوحة فرضت عقده أحداث 7 أيار الشهيرة. فهل يبقى لبنان بلا رئيس إلى أن تتّفق قوى 14 آذار وقوى 8 آذار على انتخابه، أو إلى أن تتّفق السعودية وإيران… أو بعد أن تقع أحداث أمنية في لبنان أو أزمة اقتصادية وماليّة خانقة؟
إلى متى يظل لبنان بلا رئيس وشعبه يعاني، وإلى متى يظل انتخاب رئيس في حاجة إلى أحداث دامية والى ساحة مفتوحة على أرضه لصراع المحاور العربيّة والإقليميّة والدوليّة ويكون الشعب اللبناني وقوداً لها؟ أليس في لبنان رجل منقذ يضحّي بكل غالٍ ونفيس وبكل مصالحه خدمة للبنان وشعبه، لا أن يظل تدمير لبنان وتهجير شعبه ثمن انتخاب كل رئيس؟ أوَلم يتعلّم القادة فيه من دروس الماضي فيعودون إلى ضميرهم وإلى حسّهم الوطني ويتّفقون على انتخاب رئيس للجمهوريّة وفقاً للدستور وللنظام الديموقراطي كما فعلوا عند انتخاب سليمان فرنجية رئيساً وبصوت واحد وكانت المرّة الأولى التي تفعل القوى السياسيّة الأساسيّة ذلك وهي منقسمة انقساماً حاداً كما هي اليوم؟
لقد رشّح “تيار المستقبل” النائب سليمان فرنجية للرئاسة وهو من أركان قوى 8 آذار وخطّها السياسي، ورشّحت “القوات اللبنانية” العماد ميشال عون وهو أيضاً من هذا الخط علَّ هذين الترشيحين يكسران حلقة تعطيل نصاب جلسات الانتخاب، وإذ بهذين المرشّحين يتغيّبان مع نوابهما عن جلسة الانتخاب تضامناً مع “حزب الله” الذي لا يريد انتخاب رئيس للبنان إلاّ عندما تقرّر إيران ذلك. فإلى متى يظل عون وفرنجية متضامنين مع “حزب الله” في المقاطعة وينتظران قرار إيران؟ وإلى متى يظل “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” يؤيّدان ترشيح من يرفضان حضور الجلسة لانتخاب أحدهما ولا يعيدان النظر في موقفهما بعدما أخطآ الهدف، ويحاولات مع الأحزاب الأساسية الاتفاق على مرشّح تسوية يرضي الداخل والخارج؟
إن الحاجة باتت ملحّة إلى عقد اجتماع لهيئة الحوار الوطني يكون موضوع الرئاسة هو الموضوع الوحيد المطروح فيها للاتفاق على اسم المرشّح أو على أسماء مرشّحين تنطبق عليهم المواصفات التي كانت وضعتها لهم اجتماعات سابقة للهيئة. فإذا لم يتحمّل أقطاب الحوار مسؤولية التوصّل إلى اتفاق على إخراج لبنان من أزمة انتخابات رئاسية باتت قاتلة، فإنّهم يتحمّلون مسؤوليّة تعريض لبنان لخطر الزوال إذا ما عاد ساحة مفتوحة لصراعات المحاور العربيّة والإقليميّة والدوليّة، صراعات قد لا تنتهي إلاّ بعد إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة وإدخال لبنان في هذه الخريطة قبل أن يعيّد مئوية “إعلان لبنان الكبير” بإعلان لبنان جديد قد لا يبقى كبيراً لا سمح الله، بل يكون على قياس من سيكونون من أبنائه القدامى والجدد… فهل يستيقظ ضمير القادة فيقودون هم لبنان إلى برّ الأمان… ولا يظل يقوده خارج إلى حيث يريد؟!