لى رغم التصريحات الملتبسة لبعض كبار المسؤولين الأميركيين حول مصير النظام السوري والرئيس بشّار الأسد، تبقى السياسة الأميركية المنتهَجة منذ سنوات هي هي، ولا يُتوقّع حصول أيّ تغيير فيها على المدى المنظور، لأسباب عدّة أبرزُها:
أوّلاً: إنّ الأولوية الأميركية في هذه المرحلة تتمحوَر حول محاربة الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق، ولا تعير مسألة حلّ النزاع الداخلي السوري أيّ مساحة من الاهتمام.
ثانياً: لا يضير المصالحَ الأميركية في الشرق الأوسط استنزافُ كلّ القوى الإقليمية والمحلية المتورّطة في النزاع الدموي السوري، من الحرَس الثوري الإيراني وقوات «حزب الله» والنظام السوري، إلى مسلحي المعارضة، والمقاتلين الأجانب، والمتشدّدين. ومن الطبيعي ألّا تبادرَ واشنطن إلى وقف التناحر بين أعدائها وخصومها الذين هم أيضاً أعداء إسرائيل.
ثالثاً: لا يريد الرئيس الأميركي باراك أوباما المسَّ بالرئيس الأسد، لا سلباً ولا إيجاباً، لأسباب مختلفة يمكن تلخيصها بالآتي:
أ – إنّ النظام السوري يشكّل العمود الفقري للمشروع الإقليمي السياسي لإيران، والذي يشمل اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وبالتالي فإنّ أيّ تهديد أميركي جدّي للأسد، من شأنه أن يهدّد المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول برنامج طهران النووي، وهذا ما لا تريده واشنطن قطعاً.
ب – إنّ إسقاط النظام السوري في هذه المرحلة، يخلق فراغاً كاملاً على كلّ المستويات في سوريا، ويؤدّي إلى فوضى دموية شاملة، خصوصاً في غياب قدرة أيّ فريق على ملء هذا الفراغ، أو ضبط الانهيار أو إيجاد حلّ سياسي.
رابعاً: لا يخاطر الرئيس أوباما في التجاوب مع دعوات دمشق للتعاون مع النظام السوري في محاربة داعش، ليس انسجاماً مع مواقف البيت الأبيض المتكرّرة بأنّ الرئيس «الأسد فقَدَ شرعيته، وأنّ الغرب لن يمدّ يدَه إلى مَن يقتل شعبَه بالبراميل المتفجّرة»، وإنّما خوفاً من ردّات فعلِ كلّ من تركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، وبالتالي انفراط عقد التحالف العربي والدولي في محاربة «داعش».
هذا لا يعني أنّ السياسة الأميركية ستبقى مقيّدة إلى ما لا نهاية، لكن لا بدّ من حصول تحوّلات ميدانية أساسية لكي تغيّرَ واشنطن في استراتيجيتها المتحفظة، مثل حصول «داعش» على سلاح نووي أو بيولوجي خطير، أو استعمال النظام السوري أسلحةً جرثومية فتّاكة، أو التصدّي لطائرات التحالف فوق الأراضي السورية، أو انهيار المفاوضات النووية مع إيران. وهذه كلّها فرضيّات واحتمالات مستبعَدة.
وتُجمِع التقارير الدولية على أنّ هذا الستاتيكو مرشّح للاستمرار سنوات، وليس أسابيع وأشهراً، ولذلك فإنّ كلّ الملفات المرتبطة بالنزاع السوري مرشّحة للتمديد والتأجيل.