كانت الكهرباء «نجمة» المنابر في ساحة النجمة خلال يومين في جلسة مساءلة الحكومة. عدد كبير من النواب وجد في الخطة الانقاذية الطارئة ضالته، لكي يطلق النار على الحكومة، وعلى فريق سياسي محدّد فيها، لكن «الخطابات»على وفرتها، لم تؤمّن كل الأجوبة التي كان يتوقعها الناس.
تتركّز الهجومات التي يشنها المعترضون على خطة الكهرباء الذي تقدم بها وزير الطاقة سيزار ابي خليل، على ثلاث نقاط محورية هي:
اولا – لماذا يتم استقدام بواخر اضافية لتوليد الطاقة بدلا من بناء معامل انتاج جديدة، خصوصا ان «سمعة» البواخر باتت تشكّل نقزة لكل المواطنين ترتبط بصفقات تُطرح حولها علامات استفهام حول المنتفعين منها.
ثانيا – طريقة استدراج العروض لجلب الباخرتين الاضافيتين، وتركيز الاعتراضات على الاستنتاج أن وزير الطاقة سبق واتفق مع الشركة التركية على تفاصيل الصفقة الجديدة قبل الوصول بخطته الى مجلس الوزراء، بما يسمح ايضا بالاعتقاد بوجود منفعة شخصية ترتبط بالعمولة وهدر المال العام.
ثالثا – لماذا لم تصل خطة العام 2010 التي سبق وقدمها وزير الطاقة السابق جبران باسيل الى خواتيمها السعيدة، ولم تتأمّن الكهرباء 24 ساعة، ولم تتحقق مقولة «Lebanon on» التي ملأت لوحات الاعلان على طرقات لبنان لدى إطلاق الخطة؟
هذه الاعتراضات تؤكد طبعاً ان هناك ثغرات ينبغي تسليط الضوء عليها، لكنها تبيّن أيضا ان الغايات السياسية لا تزال تتحكّم بكل المصالح العامة. بمعنى، ان المعترضين لم يركّزوا على النقاط الاضافية التي من شأنها تصويب المسار، بقدر التركيز على النيل من خصم سياسي.
اذا عزلنا الحسابات السياسية، وناقشنا وضع قطاع الكهرباء، سوف نكتشف ان النقاط الأهم التي تنبغي أثارتها هي ثلاث:
اولا- المطالبة بتقرير مفصّل عن خطة العام 2010، التي رُصد لها مبلغ مليار و200 مليون دولار. ماذا نُفذ منها، وماذا تبقّى، وكم دفعنا من أصل المبلغ المرصود لهذه الخطة التي اعتبرها وزير الطاقة الحالي دستور الكهرباء، الذي لا يمكن تجاوزه.
ثانيا – من المسؤول فعليا عن تعطيل تنفيذ الخطة. هل هي اخطاء ارتكبتها وزارة الطاقة من خلال اسلوب التنفيذ، ام انها خطة متعمدة من قبل وزارة المالية لتعطيل مشروع حيوي اقترحه خصم سياسي، ونجاحه يمكن ان يفيده شعبياً؟ ولا شيء يمنع احالة هذا الملف الى جهة قضائية مستقلة لكي تجري تحقيقاتها. ولولا التهمة الجاهزة بـ«التدويل»، لكان من الأفضل اقتراح لجنة اجنبية تابعة لمؤسسة دولية لاجراء تحقيق شفاف، وافادة الرأي العام بالنتائج. ولن نطلب محاسبة من يتضح انه مسؤول عن التعطيل، لأنه مطلب تعجيزي، كمن يطلب لبن العصفور.
ثالثا – المشكلة لا تكمن في صراع الاقتراحات، لجهة ما هو الأفضل، استقدام بواخر ام انشاء معامل انتاج، لأن ذريعة البواخر انها أسرع، وتلبّي الحاجة في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر، ولا يمكن التفكير في انشاء معامل في فترة زمنية شبيهة، وبالتالي، فان البواخر هي لملء الفراغ في وقت قياسي وتأمين الكهرباء طوال المدة التي يستغرقها بناء المعامل في السنوات الخمس المقبلة. ويمكن التخلي عن البواخر تباعا، كلما تم انجاز معمل للانتاج الكهربائي.
كذلك لا تكمن المشكلة بالنسبة الى المواطن فقط في الشبهة حول وجود سمسرات وعمولات في الصفقة، لأن الناس منقسيمن عاموديا، من يعتبر نفسه في موقع الخصم للتيار الوطني الحر، يريد أن يصدّق، بصرف النظر عن الوقائع، ان الخطة تنطوي على صفقة سمسرة وهدر، ومن يوالي التيار، لن يصدق كل ما يُقال، حتى لو تم تقديم اثباتات دامغة، وفي اسوأ الاحوال، سيقول لك: «ياكلها السبع، ولا ياكلها الضبع».
لكن ما قد يتفق عليه الجميع، وينبغي طرح السؤال حوله هو التالي: لماذا يريدون استقدام باخرتين فقط، بالاضافة الى الباخرتين الموجودتين في الاساس لتأمين بين 21 و22 ساعة تغذية يوميا، وفي المقابل يريدون رفع التعرفة 40%، في حين انه لا يمكن التخلي عن المولدات ما دامت التغذية غير مؤمّنة 24 ساعة.
وبالتالي، لماذا لا يتم استقدام 3 بواخر اضافية ليصبح عدد البواخر عندنا خمس بواخر بدلا من أربع، لتأمين الكهرباء 24 ساعة، والغاء المولدات، ورفع التعرفة. عندها فقط، قد يتناسى المواطن كل التفاصيل المحيطة بتبادّل الاتهامات حول السمسرات والصفقات. لكن الخطة، كما هي مطروحة اليوم، توحي بأنهم يريدون رفع التعرفة، ويحرصون على عدم الغاء عمل المولدات!