كان لافتاً للمراقبين ان يلتقي “حزب الله” ممثلاً بالمسؤول عن ملف العلاقات الخارجية فيه عمار الموسوي موفد باريس الديبلوماسي المخضرم المتضلع من قضايا المنطقة جان – فرنسوا جيرو وقت كانت فرنسا تبذل جهدا استثنائيا في نيويورك للحصول من رئاسة مجلس الامن الدولي على بيان يدين صراحة العملية العسكرية التي نفذها مقاتلو الحزب ضد قافلة عسكرية في مزارع شبعا.
العارفون بخفايا المسلك السياسي للحزب يخرجون باستنتاج فحواه ان الحزب لم يشأ ان يوصد ابواب مقراته امام موفد الادارة الفرنسية لاسباب عدة في مقدمها:
– ان هذا الديبلوماسي يحل ضيفاً على أروقة بيروت السياسية للمرة الثانية خلال الأشهر الثلاثة الماضية تحت شعار البحث عن معطيات من شأنها أن تحرك عملية ملء الشغور الرئاسي، وهو موضوع ملحّ وحساس، ولان الحزب هو احد الاطراف الاساسيين المعنيين بالموضوع ولا يمكنه الا ان يتعامل بايجابية ومرونة مع اي مسعى خارجي او داخلي يفضي الى تحريك هذا الملف، خصوصاً ان ثمة من يتهمه بأنه جزء من منظومة عرقلة انتخاب رئيس جديد للبلاد من خلال مقاطعة نوابه الجلسات المخصصة لانتخاب الرئيس والتي بلغت 20 جلسة.
– ان الحزب معني بأن يرد دوماً على كل من يسأله مشورة او نصحاً في هذا المجال بأن مرشحه الحصري للرئاسة الاولى الآن والى أجل غير مسمى هو العماد ميشال عون، وان الاولى بالمهتمين بالموضوع مراجعته بالأمر والحزب مستعد للنزول عند توجهاته وقراراته أياً تكن.
– ان الحزب معني أيضاً وأيضاً باستقبال جيرو كون هذا الديبلوماسي قصد في مستهل حراكه طهران وسألها الدعم لكي تضاء المصابيح المطفأة من أشهر عدة في قصر بعبدا لاخراج لبنان من احدى أزماته، وهو أمر له معناه وابعاده عند الحزب لاعتبارين اثنين: الاول ان طهران في وارد “تطبيع” ولو تدريجاً لعلاقاتها مع عواصم الغرب، خصوصاً بعد فتح ابواب حوارها مع الغرب حول الملف النووي. والثاني ان طهران ردت على جيرو بان عليه مراجعة الحزب والعماد عون في بيروت وهما المخولان اتخاذ القرار الفصل في الموضوع.
– أولاً وأخيراً لم تعد البراغماتية بالأمر الغريب على نهج الحزب وسلوكه السياسي، فهو مستعد للتغاضي عن أداء باريس السلبي حياله في مجال معين والتعامل معها في ميدان آخر، فالحزب لم يعد يترك سانحة إلا ويمد خطوط التواصل والتفاعل مع اي عاصمة غربية باستثناء واشنطن، فقد ولّى الى غير رجعة ذلك الزمن الذي كان فيه الحزب يوصد الابواب على نفسه مكتفياً بعلاقة محدودة جداً مع عاصمتين، وبات يعي تماماً انه أرتقى الى مرتبة اللاعب الاقليمي بامتياز، والذي يخطب ودّ العلاقة معه الجميع ويحرصون على الحد الادنى من التواصل معه وهو له في ذلك مآرب ومقاصد عدة.
– اضافة الى ذلك، فان الحزب يدرك ضمناً ان جيرو لم يأتِ بأي جديد في رحلته الاخيرة يختلف عما حمله من عروض ومقترحات في المرتين السابقتين وبالتالي فالحزب يتعاطى مع زيارة جيرو من منطلق انها لن تقدم او تؤخر في غايتها المنشودة. وعندما اعاد ممثل الحزب امامه اللازمة المعروفة بان عليه مراجعة مرشحه الحصري للرئاسة هزّ رأسه علامة المعرفة المسبقة بذلك.
وعليه فان المعطيات التي رشحت عن الزيارة تشير الى ان جيرو كان هذه المرة مستمعاً جيداً مما أوحى لبعض المراقبين ان وقتاً طويلاً سيمر قبل ان يعاود مهمته.
– ولأن الحزب يعرف ضمناً كل هذه المعطيات، ويعرف أن فرنسا تقوم بما تعتقد انه واجب عليها في لبنان، وان باريس عموماً تكلفها واشنطن ملفات الفراغ والوقت الضائع، لم يشأ الحزب ان يفتح للموفد الفرنسي المزيد من الأبواب ولم يشأ ان يضيف ممثله كلمة جديدة الى ما سبق ان قاله له في اللقاء الأخير بينهما.
– واذا كان جيرو موظفاً برتبة سفير في الخارجية الفرنسية ، إلا أن تاريخه السياسي وتجربته العريقة في مضمارالتعاطي مع قضايا المنطقة وملفاتها، وتحديداً ملفي سوريا والعراق، يشهدان له عند المعنيين في بيروت بأنه رجل يتصف بالايجابية والمرونة وبالموضوعية والقدرة على الاستماع والأخذ والعطاء.
ومهما يكن من أمر فان “حزب الله” يتصرف، كما هو معلوم، في موضوع الاستحقاق الرئاسي على اساس ان المرحلة الراهنة ليست مرحلة انتخاب رئيس توافقي لسدّة الرئاسة الاولى الشاغرة منذ زمن، فهو أكد سابقاً لمن راجعه في هذا الأمر وخلف أبواب موصدة ان ثمة تجارب مُرة لا يمكن اطلاقاً السماح بتكرارها لان غير المؤمن هومن يلدغ من جحر واحد مرتين، ومن هذه التجارب المرة التي لا يمكن القبول بتكرارها تجربة الرئيس التوافقي التي تجلت في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان .
اضافة الى ذلك، يبدو واضحاً ان الحزب يقيم على اعتقاد فحواه ان المعادلات والظروف الداخلية والاقليمية تسمح له بتزكية مرشح بعينه للرئاسة الأولى يتمتع بالمواصفات عينها التي يتحلى بها العماد عون او ذاك الذي يسميه هو ان شاء ان يؤدي دور صانع الرؤساء، والواضح أيضاً انه ليس في وارد النزول الى هذه المرتبة في الوقت الحاضر.