Site icon IMLebanon

لماذا تتجدد الدعوة إلى الانتخاب؟ 

يتضمن برنامج المقدم الأميركي – البريطاني الساخر جون أوليفر «الأسبوع الماضي هذه الليلة» فقرة تحمل عنوان «لماذا ما زالت هذه شيئاً (أمراً)؟» («Why is that still a thing») يتساءل فيها عن سبب بقاء بعض الظواهر او الممارسات التي لم يعد لها ما يبررها مثل تقديم الساعة في الصيف أو إصرار هوليوود على عدم إسناد بطولات أفلامها لممثلين أفارقة أو آسيويين حتى عندما يكون الدور لشخصية تاريخية من أفريقيا أو آسيا الخ.

بعد أربعين محاولة فاشلة لعقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، يبرز سؤال مطابق لذاك الذي يطرحه البرنامج الكوميدي الأميركي: «لماذا ما زالت هذه مسألة؟». غني عن البيان أن الجلسة المقبلة المقررة في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، ستلقى مصير أخواتها وستكون تأكيداً للمثل القائل «يخلُق من الشبه أربعين»، ما لم تقع معجزة ليست في البال ولا في الحسبان.

المهم أن التكرار الآلي لدعوة النواب الى انتخاب رئيس وامتناع هؤلاء عن القيام بواجباتهم الدستورية وتبريرهم ذلك بسلسلة طويلة من الأعذار الأقرب الى المهاترات والمناكفات المستوحاة من مناخ الشلل السياسي العميق في لبنان، باتت من المشاهد المُكرسة في لبنان إلى الحد الذي أصبح معه خبر الدعوة إلى الجلسة وغياب النواب، من الأخبار الثانوية في النشرات التلفزيونية وأعمدة الصحف.

ليس رداً الاكتفاء بالقول إن الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية بمثابة إصرار على استمرار عمل الدولة او ما يعادل هذه الصيغة الذرائعية. الجميع يعلم أن أسباب فشل الجلسات الأربعين السابقة ما زالت قائمة وتتعلق بعدم قدرة أي من الأطراف المحلية على إيصال مرشح في ظل المرحلة الحالية من الحرب في سورية، حتى بعدما انحسر التنافس بين المرشحين إلى شخصين مدعومين من «حزب الله» وحلفائه هما النائبان ميشال عون وسليمان فرنجية، فيما انهار التحالف المقابل وسط سجالات أقرب إلى شجارات الأطفال.

وفيما يقبع لبنان خارج قائمة الاهتمامات الدولية والعربية، ويتلكأ «حزب الله» في الاختيار بين أي من حليفيه سيكون رئيساً للجمهورية لعدم حاجة الحزب إلى رئيس ولا إلى جمهورية أصلاً، بسبب ابتعاده عن السياسة اللبنانية وتحوّله إلى عنصر في الصراع الإقليمي الكبير، يحضر أقل من نصف النواب إلى مقر مجلسهم في الجزء المهجور من وسط بيروت ليتفرقوا بعد إعلان تأجيل الجلسة أسابيع عدة وهم يعلمون مسبقاً عبث حضورهم وانصرافهم.

كما ليس سراً أن الأزمة الرئاسية في لبنان تساهم في تفكك البلاد وفي تعميق الشروخ التي تفصل اللبنانيين عن بعضهم بعضاً وتجعل من ترميم المؤسسات المشلولة والمعطّلة والواقعة تحت سيطرة قوى الأمر الواقع أصعب عند انتخاب رئيس. يضاف الى ذلك الفشل الدائم في الاتفاق على قانون لانتخاب مجلس نيابي يحل مكان هذا الممدد لنفسه منذ سنوات وينهي الجدل العقيم حول أيهما يسبق الآخر: اختيار رئيس جديد أو انتخاب البرلمان. علماً أن المسألتين ليستا مما يمكن توقعه في المستقبل المنظور، للأسباب الداخلية والإقليمية المعروفة.

عليه، يصح السؤال الساخر والمرير، عن علة بقاء الدعوة إلى جلسات انتخابية مستمرة، اللهم باستثناء تأجيل الاعتراف بنهاية الصيغة القائمة في لبنان واستحالة تجديدها على أيدي الفئات ذاتها التي أوصلت الحال إلى هذا المأزق، والضعف الشديد للبدائل السياسية والمدنية.