هل استعجل رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة في نعي حظوظ الجنرال ميشال عون الرئاسية؟ وهل استعجل النائب وليد جنبلاط في اصدار بيانه الاخير لدروز سوريا للانخراط في المواجهة المسلحة لاسقاط النظام؟ الجواب هو نعم بالطبع، ولكن قبل شرح الاسباب يبقى ضروري فهم القراءة الخاطئة للرجلين اللذين يقرآن من كتاب واحد في هذه المرحلة يدعى «عاصفة الحزم»، وذلك لفهم اسباب الاستنتاجات الخاطئة.
هذه الخلاصة لقيادي بارز في 8آذار يشير فيها الى ان المشكلة الرئيسية لدى الرجلين وفريقهما السياسي انهم لا يتعلمون شيئا من دروس التاريخ، وبكل بساطة عادوا الى «لعبة التخمين» والسؤال «المفتاح» كم بقي للرئيس بشار الأسد من أيام في السلطة بعد خسائره المتتالية في الشمال السوري؟ وبحسب معلومات الرجلين فان تركيا والسعودية وقطر لم تعد مهتمة برأي الولايات المتحدة الاميركية وهي تندفع بحماس لتوجيه «ضربة موجعة» لايران من «البوابة» السورية، وتؤكد عجلة التغييرات التي أجراها الملك سلمان هذا التوجه بعد ان انتصر «التيار المتشدد» داخل المملكة المتبني لاستراتيجية مواصلة الحرب على الإرهاب ممثلا في الأمير محمد بن نايف ، وتيار التدخل لضرب إيران المتمثل بالأميرمحمد بن سلمان.
والمفارقة ان خصوم دمشق في لبنان ينظرون الى التغييرات المتتالية في السعودية انها عامل استقرار وتجديد «لشباب المملكة»، فيما وفاة مدير الأمن السياسي رستم غزالة وعزل مدير الأمن العسكري رفيق شحادة، وتنحية عدد من أقارب الرئيس السوري من مناصبهم واعتقال بعضهم … يعتبرونها مؤشرات على أزمة داخلية بدأت تؤثر على بنية النظام المتماسكة. فلماذا لا تكون هذه التغييرات ايضا جزء من تجديد «شباب» الدولة السورية قياسا على التجربة السعودية. ولماذا يستمع جنبلاط هذه الايام بحماسة كبيرة الى تقديرات احدى الشخصيات اللبنانية المحظية في السعودية والتي «بشرته» بقرب انهيار النظام السوري، ولم يكترث لنصائح صديقه جيفري فيلتمان الذي نصحه قبل ايام بعدم المبالغة في التقديرات، وابلغه ان «وضع النظام السوري سيء ولكنه لم يبلغ بعد مرحلة الانهيار»؟.
وتلفت تلك الاوساط الى ان الفارق بين استنتاجات السنيورة وبيان جنبلاط ان الاول يستعجل الاستثمار في الواقع اللبناني، بينما يحاول «البيك» تسديد فواتير خارجية من خلال توظيف الواقع الدرزي في خدمة التحالف السعودي – القطري – التركي المستجد، فما يقوله جنبلاط هذه المرة ليس في اطار «البروباغندا» الاعلامية او تسجيل المواقف السياسية، فهو يأتي في سياق «استراتيجية» التحالف الجديد لاقناع الأقليات الدرزية في الجنوب، والأشورية في الشمال، والإسماعليين في مناطق حماة، بعدم الانخراط في صفوف الجيش، مع وعد بتأمين خط «انسحاب آمن لكل من يريد تهريب أبنائه للخارج، والرهان هنا على تقليل عدد المتطوعين في الجيش من القاعدة التقليدية التي أمنت بقاء النظام خلال السنوات الماضية. لكن أخطر ما نقله المحسوبين على جنبلاط من «رسائل» الى مشايخ الطائفة الدرزية في سوريا، معلومات عن تقسيم اصبح واقعا في البلاد ترسم معالمه بين الدول الكبرى، وثمة نصيحة بعدم خلق بيئة معادية مع السنة لان التقسيم المزعوم لا يلحظ دولة درزية بل يضمهم الى «الدويلة» السنية؟
وبحسب المعلومات التي يتداولها جنبلاط مع الحلقة المقربة منه، فان اجتماع كامب ديفيد منتصف الشهر الحالي بين قادة دول الخليج والرئيس الاميركي باراك اوباما سيكون مفصليا لجهة رسم الخريطة الجديدة في المنطقة بعد ان خرجت الرياض من «عباءة» واشنطن التي كانت تكبح جماحها في التصدي للتمدد الايراني، فالرياض كما يعتقد «البيك»، نزعت من يد اوباما ذريعة اتهامها بعدم التجديد، ونجحت «بسلاسة» عملية تهيئة المناخ لانتقال السلطة الى القادة «الشباب» في المملكة، ولن يقبل الملك سلمان ان يكون اليمن هو «الثمن» المقبوض مقابل الاتفاق النووي مع ايران، فالسعودية تعتبر ان الملف اليمني محسوم لجهة عدم قبولها «بالشراكة» الايرانية هناك، ولن ترضى المملكة باقل من «رأس» بشار الاسد ثمنا لاعادة طهران الى الساحة الدولية. ويعول السعوديون في هذا السياق على تكرار النموذج العراقي في سوريا، ويرون انهم نجحوا في الضغط على الايرانيين العام الماضي عندما اجتاحت «داعش» الموصل و«ارغموهم» على التخلي عن نوري المالكي، والان قد يتكرر الامر في سوريا بعد التقدم العسكري للمعارضة في الشمال، ويمكن الان اقناع ايران باعادة تقييم علاقاتها مع الأسد، وعليها ان تعرف ان الوقت قد حان كي تتخلى عن هذا الحليف الذي بات «عبئا» عليها.
هذه «المعطيات» الجنبلاطية تصفها تلك الاوساط «باحلام اليقظة»، فالتطورات العسكرية في سوريا ليست بالسوء الذي يهدد النظام، والاهم من ذلك ان كل قراءات «البيك» مبنية على تفوق سعودي في الاقليم مقابل مأزق ايراني ستكون طهران مضطرة لتقديم تنازلات كي تخرج منه، وهذا الامر غير صحيح، فايران لاول مرة منذ سنوات تملك بين يديها «طوق النجاة» للسعودية فبيدها اغراق المملكة لسنوات في حرب استنزاف في اليمن، او تقديم المساعدة في الحل، والمقبل من الايام والاسابيع ستكون حاسمة لجهة تحديد حجم الثمن الذي ستضطر السعودية لدفعه في الزمان والمكان.
وبحسب المعطيات فان «العدوان» السعودي على اليمن حرر طهران من «الضوابط»، وزيارة وزير الدفاع السوري الى طهران ستنعكس على ارض الواقع «قريبا جدا» بعد ان حمل معه لائحة مفصلة باحتياجات الجيش السوري، واذا كانت طهران قد أرسلت في السابق وحدات ومستشارين من الحرس الثوري، وأسهمت في تدريب وتشكيل قوات الدفاع الوطني الذي تجاوز عديدهم المئة الف مقاتل، فهي تتجه الى زيادة الدعم «كما» «ونوعا»، ولن تتخلى عن الدولة السورية لانها تشكل بالنسبة اليها «بوابتها» الى المنطقة، وهي «الشريان» الحيوي للمقاومة في لبنان. ولذلك لا تغيير في الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، والإلتزامات لن تتبدل في حال وقعت الجمهورية الإسلامية اتفاقا مع مجموعة 5+1 حول ملفها النووي في نهاية حزيران المقبل، فطهران نجحت في فصل مسار المفاوضات عن الملفات الساخنة في المنطقة، وهي تدرك انها أقوى بعد «التوقيع»، واي نقاش جدي حول العراق وسوريا واليمن ولبنان سيكون وفق «قواعد اشتباك» جديدة.
وفي هذا السياق، اذا كان للسنيورة حسابات داخل تياره مبنية على «قاعدة» استبعاد عون مقابل عدم عودة الرئيس سعد حريري الى رئاسة الحكومة، كونه يعرف ان تياره السياسي مطالب بالتواضع لانه غير قادر على «الفوز» بالرئاستين مهما كانت التحولات في المنطقة، فان جنبلاط يخوض غمار مغامرة جديدة مبنية على حسابات خاطئة، دون ان ينتبه انه في المحصلة يضع نفسه في مواجهة مع حزب الله، فحماية الدولة السورية مصلحة استراتيجية لن يفرط بها الحزب، ولن يسمح لاي قوة بعزله وقطع خطوط امداده، واذا كان «البيك» قد قال كلمته للدروز في سوريا «ومشى» الى لاهاي لتقديم شهادته امام المحكمة الدولية، فعليه في هذه المرحلة الحساسة ان يحسن التقدير، لان ما يرسم في المنطقة خطير للغاية، «والحكمة» ضرورية لمواكبة الاحداث، وربما تكون استراتيجية «النأي بالنفس» اكثر الحلول المجدية لمن فقد دوره المؤثر في الحياة السياسية اللبنانية، الدور الذي منحته اياه يوما سوريا، وما يزال حتى اليوم «يشحده» من الرياض ولكن دون أي طائل.!