على رغم التفسير المباشر الذي اعطاه “حزب الله” لتفجيره عبوة في دورية اسرائيلية بانها رد على مقتل احد عناصر الحزب قبل بعض الوقت، فان العملية من حيث توقيتها وملابساتها اثارت تفسيرات تتخطى طابع رد الفعل الانتقامي الى مجموعة قراءات واحتمالات لا يمكن عزلها عن تطورات المنطقة وتداعياتها انطلاقا من واقع ان ما ينطلق من جنوب لبنان في اتجاه اسرائيل غالبا ما يتسم او يعبر عن طابع اقليمي او رسالة اقليمية.
بدا تفجير الحزب عبوة ناسفة في دورية اسرائيلية في شبعا بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية مراقبة بمثابة ادخال لاسرائيل الى التطورات الاقليمية المتفاعلة في المنطقة في توقيت ملتبس على وقع تطورات في جرود بريتال اوحت ان الحزب يحول الانظار عن خسارة معنوية وبشرية طاولته في مواجهة تنظيمات سورية مسلحة، الى اعادة التذكير بجوهر مهماته السابقة في مواجهة اسرائيل فضلا عن استعادة وجهه الاصلي الذي غيبته مواجهات مذهبية تضعه على قدم المساواة مع تنظيمات يحاربها تحت عناوين مختلفة. لم يمنع ذلك البعض من مقاربة الموضوع من زوايا اخرى، منها ما يتصل بربط الحزب او ايران في شكل اساسي لبنان بما يجري في المنطقة على وقع تصريحات مسؤولين ايرانيين كثر وضعت لبنان في مجال تلقي الاستشارة الايرانية الامنية والعسكرية جنبا الى جنب مع العراق وسوريا وتاليا توجيه رسائل انطلاقا من لبنان . ومنها ما يذكر او يدفع الى المقارنة بموقف للنظام السوري في الاشهر الاولى للانتفاضة ضده عن عدم ترك اسرائيل بمنأى عن تداعيات محاولات اطاحة النظام واحتمال النجاح بذلك، ما يمكن ترجمته ان ثمة حالا من الارباك يواجهها الحزب بلجوئه الى مظهر قوة هو العملية ضد دورية اسرائيلية فيما تنقض مواجهة بريتال المنطق القائل بالذهاب الى الحرب في سوريا لمنعها من الوصول الى لبنان. وثمة من يسلط الضوء على ما يعتبره النقطة الاساسية في هذا الاطار الا وهو ليس فقط تحكم “حزب الله” بادارة الوضع عند الحدود مع سوريا بل التذكير بادارته على الحدود مع اسرائيل وتوجيه رسائل اليها او عبر استهدافها جنبا الى جنب الى الموضوع السياسي الداخلي المتمثل بعرقلة الحزب انتخاب رئيس جديد للجمهورية بمعنى ان مجمل المشهد يفيد بتحكم ايران عبر الحزب بمفاصل البلد وامساكها بقرار السلم والحرب مع اسرائيل بغض النظر عما يشكله هذا التجاوز من احراج للحكومة اللبنانية.
يسأل البعض لماذا مخاطرة الحزب باحتمال اقحام لبنان في رد فعل عسكري اسرائيلي سيتحمل كل لبنان مسؤوليته في هذا التوقيت المحرج خصوصا بالنسبة الى خرق القرار 1701ولو بدا الحزب في شرحه للعملية مطمئنا الى ان لبنان لن يكون ساحة للمعركة او لاستبعاد عمل عسكري اسرائيلي؟ وهل ثمة مسعى لاستدراج اسرائيل الى الملعب الاقليمي الذي تبدو انها تقف في موقع المراقب المتفرج والمستفيد منه؟
لا يتفق البعض مع منطق ان اسرائيل تقف متفرجة ويعتبر هؤلاء انها منخرطة في ما يجري ولو من بعيد. اذ هناك تساؤلات يثيرها هؤلاء لجهة اعتقادهم ان هذا الحادث الذي ربط بعملية رد فعل على مقتل عنصر من “حزب الله” قد يكون يتصل بنتائج لقاء الرئيس الاميركي باراك اوباما مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل عشرة ايام تقريبا في واشنطن والتي كان محورها الملف النووي الايراني التي وصلت المفاوضات في شأنه الى مرحلة حساسة قبل انتهاء مهلتها في 24 تشرين الثاني المقبل. وبحسب ما يسوق هؤلاء فان اسرائيل ليست بعيدة من المشهد الاقليمي من اجل ان يتم جرها اليه وان كانت لا تظهر في المشهد المباشر. فهي من جهة تمانع الوصول الى اتفاق في شأن النووي الايراني وتاليا تمانع التفاهم المحتمل والمرتقب بين ايران وواشنطن قبل ان تحصل على مرادها والذي قد يتناول الى مشكلة الملف النووي مشكلة “حزب الله” ايضا وصواريخه في لبنان. وتفتح هذه المصادر مزدوجين في هذا الاطار من اجل الاشارة الى ما صرح به مستشار للرئيس الايراني حسن روحاني من ان الولايات المتحدة تبدو اكثر اهتماما من الدول الخمس الكبرى بالتوصل الى اتفاق حول الملف النووي متهماً روسيا والصين ومتطرفين ايرانيين واميركيين واللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة من انهم لا يريدون ان تنتهي المحادثات بابرام اتفاق شامل على النووي. ومن جهة اخرى يقول هؤلاء ان اسرائيل تعيق التوصل الى تفاهم اميركي ايراني حول مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا حيث لا بد من التعاون مع ايران من اجل النجاح في هذه المواجهة وفق ما صرح بذلك عدد من المسؤولين في دول مؤثرة حليفة لواشنطن، وآخرهم كان مدير المخابرات البريطانية الذي نقل عنه ضرورة التعاون مع ايران في كل من العراق وسوريا في اطار المواجهة مع داعش.
وفيما يبدو لغالبية المراقبين ان الاتفاق على الملف النووي قد يشكل مرحلة فاصلة في طبيعة التطورات واتجاهاتها في المنطقة، لا يبدو غريبا ان يلعب الافرقاء الاقليميون لعبة سياسية مكشوفة على وقع ما يجري من العراق الى سوريا وصولا الى مدينة عين العرب الكردية والتنافس الصريح والفظ من اجل الحصول على النفوذ بين ايران وتركيا في شكل اساسي في سوريا انطلاقا من مساعدة الاكراد السوريين.