Site icon IMLebanon

لماذا التصعيد السعودي؟

 

على رغم تأكيدات جميع الأفرقاء السياسين تمسّكهم بالاستقرار العام في لبنان وحرصِهم عليه، بغَضّ النظرعن الخلافات السياسية السائدة وتلك المتصلة بالملفّات الخلافية الداخلية، فإنّ المناخ العام السائد في المنطقة يثير لدى البعض مخاوفَ من تعرّضِ لبنان لتداعيات سلبية جديدة، في حال استمرّ التصعيد متفاقماً على بعض الجبهات الإقليمية، وخصوصاً على الجبهة السعودية ـ الإيرانية.

ويقول سياسيون متابعون إنّ اهتمامات المرجعيات والقيادات الرسمية والسياسية اللبنانية تتركز حالياً على سبلِ تمكين لبنان من احتواء ايّ تداعيات وانعكاسات اقليمية جديدة على اوضاعه على مختلف الصُعد والمستويات، لأنه تعوَّد دوماً ان ينال نصيبَه سلباً او ايجاباً من ايّ وفاق او خلاف عربي ـ عربي اوعربي ـ اقليمي، او حتى اقليمي ـ إقليمي، أو اقليمي دولي، وأحياناً دولي ـ دولي.

وقد لامسَ لقاء كليمنصو بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في جانبٍ منه، والبعضُ قال، في جانب أساسي منه، الوضعَ الاقليمي من زوايا عدة، أبرزها:

ـ أوّلاً، مستقبل العلاقة بين لبنان ودول الخليج عموماً وبين لبنان وبين المملكة العربية السعودية خصوصاً، وذلك في ضوء التصعيد القائم على الجبهة السعودية ـ الايرانية واستطراداً بين المملكة و«حزب الله»، وكذلك بينها وبين «التيار الوطني الحر».

ـ ثانياً، مستقبل العلاقة مع النظام السوري في ضوء دعوات بعض القوى السياسية الى التطبيع معه بغية إيجاد حلّ لأزمة النازحين السوريين الذين يصل عددهم الى نحو مليونَي نازح، ومعارضة قوى أخرى لهذا التطبيع وعلى رأسها تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» وآخرون.
ويقال انّ هذا اللقاء الثلاثي بحَث في جملة افكارٍ حول التعاطي مع هذين الملفّين، إذ سيكون لكلّ منهم اتصالات ومشاروات معيّنة محلياً وإقليمياً بغية الوصول الى عبورٍ آمن الى معالجة فعلية لهما.

وإذا ذهبَ البعض الى الحديث عن انّ المملكة العربية السعودية «تعمل على التوتير في لبنان»، وإحياء اصطفافات سياسية جديدة، فإنّ العارفين بسياسة المملكة في لبنان ينفون ذلك ويؤكّدون انّها على رغم عتبِها، أو عدمِ ارتياحها الى مواقف وتصرّفات بعض المسوؤلين والسياسيين وعدم نأيِهم بالنفس وتحييد لبنان عن الأزمات والمحاور الاقليمية والدولية، فإنّها حريصة دوماً على الوفاق بين اللبنانيين، و«اتّفاق الطائف» الذي رعته في مؤتمر الطائف عام 1989 هو الشاهد الدائم على دعمِها لهذا الوفاق، وكذلك دعمها القوي للاستقرار في لبنان وتعزيزه، بدليل انّها عيّنت سفيراً جديداً لها في لبنان هو الديبلوماسي وليد اليعقوب، وهو سيباشر مهمّاته في بيروت قريباً، وذلك بعد ان ابلغَت السلطات اللبنانية الى الرياض قبولَها أوراقَ اعتماده.

على انّ بعض السياسيين يرون انّ التصعيد القائم يدلّ الى أحد أمرَين: إمّا انّ بعض الازمات والخلافات الاقليمية وصَلت الى نقطة اللارجوع، وبالتالي الدخول في مواجهة حاسمة سيحاول كلّ فريق الحسمَ فيها ضد الآخر. وإمّا انّ هذا التصعيد يُراد منه رفعُ سقوف المواقف والشروط والشروط المضادة في مفاوضات جارية أو قبل الجلوس الى مؤتمرات تفاوض آتية للاتفاق على تسويات للأزمات المستفحلة.

وفي اعتقاد هؤلاء السياسيين المتابعين للازمات انّ التصعيد إذا استمر، من شأنه ان يصعّد الاصطفافات السياسية المحلية والاقليمية والدولية بما يُدخل المنطقة في طورٍ جديد من الحروب لا يمكن احداً التكهّن بما تؤول اليه، فيما الواقع ومنطق الامور يشير الى انّ لبنان والمنطقة لم يعُد في امكانهما تحمُّل مزيد من هذه الاصطفافات وما يمكن ان يترتّب عليها من مضاعفات على مختلف المستويات، فالجميع دخَلوا، على ما يبدو، في مربّعِ التفاوض في ظلّ الحراك الاميركي ـ الروسي وما يُحكى عن توافقات أنتجَها لحلّ الازمات الاقليمية.

وفي سياق متّصل يرى هؤلاء السياسيون أنّ زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الاخيرة لموسكو ومحادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما اسفرَت عنه من نتائج ستكون لها انعكاساتها وتداعياتها على مستقبل الاوضاع في المنطقة، فقبلها كان هناك تصعيد منخفض المستوى بين بعض الاطراف الاقليمية في ظلّ حديث عن مفاوضات تجري بالواسطة او في بعض الغرف الضيّقة، ولكن اللافت انّ هذا التصعيد ارتفعَ منسوبُه الى درجة كبيرة جداً بعد هذه الزيارة التي يتوقع ان تبدأ نتائجها الفعلية بالظهور قريباً لترسمَ ملامح المشهد الذي سترسوعليه المنطقة.