لم يَستطع أحد حتى الآن تحديد موعد ميلاد السيّد المسيح بشكل دقيق، لكنّ الكنيسة حدَّدت يوم معموديته في السادس من كانون الثاني، وهي تحتفل بالعيد في هذا التاريخ، غير أنّ مراجع دولية وغربية تشير إلى أنّ ميلاد يسوع كان في السنة الرابعة قبل الميلاد.
قرّر الأمبراطور قسطنطين الذي اتّبع المسيح عام 313، أنّ الاحتفال الشعبي الكبير الذي تفرح فيه الجماهير هو عيد الشمس، وهو يصادف في 25 كانون الأول، فأمرَ بإلغاء عيد ميلاد النور الوثني واستبدالِه بعيد الميلاد المسيحي، لأنّ المسيح هو النور الحقيقي للعالم، وهكذا أصبح عيد الميلاد في 25 كانون الأول.
لكن في المقابل، بقيَت الكنيسة الرسولية الأرمنية مخلصةً للتقاليد القديمة ولم تأخذ هي وبعض الكنائس الأرثوذكسية بهذا الاعتبار، وظلّت تعتمد يوم السادس من كانون الثاني الذي يوافق عيد الغطاس أو عيد الظهور موعداً للاحتفال بعيد الميلاد.
«الجمهورية» استوضحت المعنى التاريخي لعيد الميلاد عند الطائفة الأرمنية من المطران كيغام خاتشاريان وعمّا إذا كان يعتقد أنّ الخلافات في يوم عيد الميلاد هي محض تاريخية وليست دينية، فلفتَ إلى أنّ «الخلافات هي واقع إنّما التسريبات التاريخية ساهمت في إبقائها»، معتبراً أنّ «التدبير الذي حصَل وفصَل العيدين، العماد والميلاد، وجعل يومَ الميلاد 25 كانون الأول ويوم العماد 6 كانون الثاني، كان له خلفيةٌ تاريخية محلية تخصّ الأمبراطورية الرومانية فقط، إلّا أنّ هذا التدبير انتشر، فتبعَته أغلبية الكنائس، وهذا لا يعني أنّ الذين لم يتبعوا هذا التدبير، هم على خلاف معه، لكنّنا لم نجد سبباً لتغييره وأحبَبنا الحفاظ على العيد الأساسي وعلى هذه الخصوصية». وأضاف: «مِن الجيّد أن يتميّز البعض، وهذا الأمر أعطانا خصوصيةً، وليس المطلوب أن يذوب الآخرون في كلّ الكنائس بسبب الخلاف على التاريخ».
ولفتَ إلى أنّ «الوحدة اليوم أصبح لها معنى «مسكوني»، فالتنوّع ليس ضدّ الوحدة بل إنه يُغني الكنيسة. في الماضي كانوا يَعتبرون أنّ الوحدة معناها أن تذوب كلّ الكنائس في كنيسة واحدة لكنّنا أدركنا غنى «الطقسية» في الكنيسة.
فالكنسية الكاثوليكية في العالم لديها شقّان؛ اللاتيني والشرقي. الجذور الشرقية تبعَت روما لكنْ لديهم جذور خاصة، والكنيسة في روما احترَمت هذه الجذور، كما احترم المجمع الفاتيكاني هذا التقليد وطلب منهم الحفاظ على تراثهم إنّما ضمن الكنيسة الكاثوليكية الواحدة، لذلك التنوّع اليوم أصبح غنىً».
أمّا عن حضور الشبيبة وعودتها إلى حضور القداديس والمشاركة في المناسبات الدينية، فاعتبَر خاتشاريان أنّ كبار السن يتّجهون إلى الكنيسة أكثر بعد النضوج وتصبح نظرتهم إلى الحياة مختلفة.
أمّا الشباب فالحياة أمامهم وهم الخلايا التي تجدّد الحياة، ولكن موضوع الشباب ليس آنيّاً بل هو يحتاج إلى توعية وإرشاد ديني يبدأ من المنزل والمدرسة والرعية. ونحن كشعب أرمني تشكّل التنشئة المسيحية جزءاً أساسياً من تنشئتنا العامة».
وأكّد أنّ «للكنيسة الأرمنية خصوصيةً، ونحن على رغم التحديث الحاصل نبقى متعلّقين بروحانية الجذور وبروحانية الماضي. أمّا لماذا بقينا على تاريخ 6 كانون الثاني، فليس لأنّنا متحجّرون، إنّما لأننا مخلصون لتقاليد الآباء والجذور».
هكذا يَحتفل الأرمن
تبدأ الذبيحة الإلهية عند الخامسة من عصر يوم 5 كانون الثاني، بقراءات كتابية وبقراءة أسفار الأنبياء ونبوءة الميلاد، يَتلوها الشدايقة. وعندما ينتهون من تلاوتها يبدأ القدّاس الاحتفالي ليلة الميلاد أي عشيّة 5 كانون الثاني وينتهي عند الساعة 7، فيبدأ دقّ الأجراس مصحوباً بالتراتيل الميلادية، وتبدأ البشارة وتبريك البيوت، وتَجول الجوقات في الأحياء والشوارع والمنازل حاملةً الشعلة المضاءة من الكنيسة، وهي شمعة مضيئة ينقلونها مشتعلة من دون ان تُطفأ، لتنير منازل المؤمنين الذين ينتظرونها حتى لو انتصَف الليل، مرنّمين مع أصداء التراتيل: «نحن ساهرون ومصابيحنا مشتعلة … ننتظرك أيّها الرب يسوع».
بدوره، عايَد الأمين العام لحزب «الطاشناق» النائب آغوب بقرادونيان اللبنانيين الأرمن من خلال «الجمهورية»، متمنّياً أن تنتقل شعلة الميلاد من الكنيسة الى البيوت والقلوب.
ولدى سؤالنا ما إذا كان ثباتُ الأرمن على التاريخ القديم لميلاد المسيح سينسحب على ثباتهم سياسياً في تحالفاتهم، أجاب ضاحكاً: «ثابتون في تحالفاتنا ومستعدّون لفتح صفحاتٍ جديدة مع الأطراف التي لم تكن متحالفة معنا»، آملاً «أن تكملَ الحكومة عملها بعناد ومثابرة وبمطالبة ومساءلة شعبية».
وتمنى أن تنير شعلة الميلاد لبنان وشعبَه، وأن تنير طريقَه ويتعلّم الجميع ويتّعظوا من أخطاء الماضي حتى لا نرتكبَ أخطاء جديدة، فكفانا الظلم والقهر، وحان الوقت في العهد الجديد والميلاد الجديد أن نستمرّ في العمل الإيجابي لإنهاض الوطن، ونستفيد من روح الميلاد لتكوين المواطنة الحقيقية في لبنان.