ثبت أن تفاهم مار مخايل بين «حزب الله» و «التيار الوطني الحر» بتوقيع السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون (شباط- فبراير 2006) هو أقوى بكثير من كل التفاهمات الأخرى التي كان التيار طرفاً فيها، خصوصاً تفاهم معراب بينه وبين حزب القوات اللبنانية ممثلاً برئيسه الدكتور سمير جعجع.
خيل للبعض أن تفاهم معراب أقرّ ليشكل مدخلاً جديداً إلى صنع حالة مسيحية تلعب دوراً وطنياً، يطمح إليه المسيحيون وينتظره اللبنانيون عموماً. هذا الدور بات ضرورة بعد سنوات الحرب والانقسام الداخلي، بين مسلمين ومسيحيين وداخل كل مذهب وطائفة، وبعد انهيار شامل في بلدان مجاورة دفعت ثمنه شعوب بكاملها، بمسلميها ومسيحييها، وأثار بشكل لم يسبق له مثيل تطاحناً طائفياً ومذهبياً بين سنة وشيعة، مهدداً مصير أوطان عربية في وحدتها ومستقبلها. كان المنتظر من تفاهم أكبر حزبين مسيحيين في لبنان أن ينظر إلى هذه الوقائع ويعي أخطارها، فيؤسس لرؤية مسيحية لبنانية لدور لبنان ومتطلبات نظامه السياسي، كمنطلق لمساهمة لبنانية شاملة في وضع الحلول للمشكلات الإقليمية المحيطة التي أشرنا إليها. إلا أن الوقائع جاءت لتدحض الآمال فسقط اتفاق معراب فور انتخاب عون رئيساً، وتبين أن بنوده الأخرى ليست سوى محاولة متجددة، تحيل إلى ما قبل مصالحتهما.
أسس تفاهم مار مخايل للإتيان بعون رئيساً مع أنه لم يأت على ذكر هذا البند في حيثياته. ومنذ أعلانه لم يتحدث أحد من طرفيه عن مضمونه، ولم يحاسب أحدهما الآخر على فقرة أو جملة أو بند سري. ونسي الناس ما جاء في ذلك التفاهم من تفاصيل، وبقي في أذهانهم أمران : حزب الله تمسك بعون رئيساً حتى النهاية، والتيار وقف إلى جانب حزب الله ظالماً أو مظلوماً على طول الخط، فيما تعمقت «العلاقة الروحية» التي تربط زعيمي الطرفين إلى حد اللافكاك.
الفارق بين اتفاقي معراب ومار مخايل أن الأول حاجة ظرفية لتأمين أصوات في «معركة الرئاسة»، مفاعيله تنتهي بانتفاء الحاجة تلك، فيما «مار مخايل» يحمل بعداً آخر، هو حاجة حزب الله إلى ولاء شريك مسيحي في رؤيته مستقبله السياسي والعسكري… ولذلك يصمد «مار مخايل» من دون الحاجة إلى تذكير ببنوده، ويتلاشى «معراب» مع كل تصريح جديد عن تاريخيته.