IMLebanon

لماذا يجنح المزاج الغربي والأوروبي نحو التطرّف ؟

تواجه اوروبا اصعب اوقاتها واسوأ اوضاعها منذ الحرب العالمية الثانية فهي واقعةً بين «فكّي كمّاشة» وخطرين داهمين: خطر اللجوء والهجرة وتدفق مئات الآف الهاربين من «جحيم الشرق» الى «نعيم الغرب»، وخطر الإرهاب المتفشّي في جسمها مثل ورم خبيث، والمتغلغل في ارجائها عابثاً بأمنها واستقرارها. ويصبح الخطر مضاعفاً مع تسلّل ارهابيين عبر موجات اللاجئين والمهاجرين مما يجعل اوروبا تحارب على جبهتين في وقت واحد: جبهة محاربة الإرهاب وجبهة الحد من اللجوء واحتواء مضاعفاته السلبية.

كل شيء في اوروبا يتغير وبوتيرة سريعة بفعل الضربات الإرهابية المتنقلة بين الدول المترابطة الشبكات والخلفيات:

1- «نظام الحياة» يتغير ومعه المشهد اليومي الذي انقلب رأساً على عقب… مشاعر الرعب والغضب تسود في معظم العواصم الكبرى، والأمن ليس وحده هو الضحية وانما ايضاً النسيج الإجتماعي والثقافي ومنظومة القيم الحضارية والثقافية حيث لغة التطرّف تسود ومظاهر الكراهية تتسع بين السكان الاصليين والمسلمين المهاجرين، ومسألة الإندماج الفاشل بين المكونات الأهلية والوافدة تُطرح بشكل جدي على بساط البحث والجدل.

2- النظام «الأمني – السياسي» الاوروبي يتغير ويتعرض لإعادة نظر في أساسه، حالة طوارئ معلنة في دول وغير معلنة في دول اخرى تترافق مع استنفار وجهوزية دائمة. مزيد من القيود والإجراءات الأمنية ومزيد من القوانين المشددة ولو على حساب ما يسمى بالديموقراطية والحرية، مسألة حماية الحدود الخارجية للإتحاد الأوروبي تفرض نفسها اولوية في كل المؤتمرات الإستثنائية، حتى اتفاقية « شنغن» باتت مهددة بإدخال تعديلات جذرية عليها وحتى بالإلغاء والعودة الى «الأمن الذاتي» لكل دولة.

3- المزاج الأوروبي العام يتغير ويجنح نحو التطرّف والتعصّب والتشدّد ولم يعد مستغرباً صعود احزاب اليمين المتطرف وتطلّعها للوصول الى الحكم وتغيير القوانين والسياسات. فالتطرّف الإسلامي الذي يترجَم اعمالاَ ارهابية واجرامية، ستولد تطرّفاً «اوروبياً» يغذي الأحزاب وقوى اليمين المتطرف التي تتوافر لها بيئة حاضنة وتجد في الموجة الإرهابية فرصة سانحة لتأجيج مشاعر الكراهية والعداء للمسلمين المهاجرين واللاجئين ولإثبات ان هؤلاء غير قادرين على الإندماج في المجتمعات الأوروبية.

4- العلاقات «المسيحية – الإسلامية» تتغير في الدول والمجتمعات الأوروبية. ثمّة ازمة ثقة تتعمّق وتترسخ مع الأيام. وثمّة وضع مخيف لا يوفر احداً ويجعل ابناء اوروبا الاصليين والمقيمين فيها ضحايا لهذا الوضع غير المسبوق. فإذا كان الأوروبيون هم ضحايا الإرهاب ويدفعون من امنهم وحياتهم ثمنا باهظاً، فإن الجاليات العربية والإسلامية تدفع ايضاً الثمن وتُعتبر ضحية هذا الوضع المستجد الذي يضع حياتها ومستقبلها في خطر مع طغيان مشاعر العنصرية والكره ومع الخلط الحاصل بين الإسلام والإرهاب حتى ان عدداً كبيراً من المسؤولين الاوروبيين اصبحوا يحملون دولاً مسلمة مسؤولية تنامي التطرّف الديني مع ان هذه الدول تعاني من الإرهاب وهم يعلنون ان المتطرفين والارهابيين نجحوا في تشويه صورة الإسلام وفي تحميله ما ليس له.

5- الإقتصاد الاوروبي يتغير سلباً ويدفع ثمن التصدّع الأمني والهجمات الإرهابية. فلم تعد اوروبا آمنة وقد هجرتها مشاعر «الأمان والطمأنينة» ولم تعد مقصداً سياحياً مميزاً ومفضلاً ولم تعد وجهة استثمار جاذبة للشركات الكبرى واصحاب الرساميل. ولا يعود مستغرباً ان تتعرض العملة الأوروبية «اليورو» لضغوط وان تعاني شركات من ضائقة وان ترتفع نسبة البطالة وتتراجع فرص العمل ونسب النمّو …

6- السياسات الأوروبية الخارجية ايضاً تتغير بفعل التغيرات الداخلية. فها هم الأوروبيون يضعون محاربة الإرهاب الذي يمثله «تنظيم داعش» في هذه المرحلة على رأس اولوياتهم ويدخلون تغييراً ملموساً على موقفهم من الأزمة السورية وتقديم الحرب ضد «داعش» على كل ما عداها. وها هي اوروبا التي تغّنت بـ «الربيع العربي» في انطلاقته وهي التي تنادي وتبشّر بحقوق الأنسان وقيم الحرية والديموقراطية والعدالة، تبدو محبطة مما آلت اليه احوال هذا «الربيع» الذي انتج ارهاباً وصل الآن الى عمق اوروبا وقلبها النابض في باريس وبروكسل.

وجدت اوروبا نفسها فجأة في ساحة المواجهة ورازحة تحت كابوس الإرهاب واللجوء. اوروبا «القارة العجوز» بدت فعلاً عاجزة في مواجهة هذا النمط الجديد من التهديدات والمخاطر. اوروبا المذعورة والمنتفضة خوفاً من التطرف الذي يقوى فيها فيما الأمن يضعف فيها، الإرهاب يضرب في مدنها وشوارعها والتغيير يضرب اوجه ونظام الحياة والذهنيات والسلوكيات ومجمل منظومة القيم.

وهنا نسأل ماذا فعل ويفعل العرب والمسلمون على مستوى الحكومات والمرجعيات الدينية ازاء ما تعرضت وتتعرض له اوروبا وما يصيبها من ارهاب؟ هل ردة فعلهم متناسبة مع حجم الأحداث والتهديدات ؟ هل شرعوا في مراجعة حساباتهم وسياساتهم وخياراتهم؟ هل انخرطوا فعلاً وكما يجب في محاربة هذا الإرهاب الذي يتمدد الى كل الأنحاء وفي كل الإتجاهات ؟

بكل صراحة وموضوعية وصدق اقول حتى الآن لا تبدو ردود فعل المسلمين على مستوى الحكومات والمرجعيات الدينية، في مستوى الأحداث وانما هي ردة فعل خجولة ولا ترقى الى مستوى ما تشهده اوروبا وما تشهده منطقتنا من هجمات وجرائم ضد الأقليات الدينية عمومآ والمسيحيين خصوصآ.

لم نسمع خطاباً مضاداً يضع النقاط على الحروف ويحدد المسؤوليات بشكل عادل وكامل. وهذا التراخي في عملية مقاومة الإرهاب والتصدّي له موجود حتى على مستوى الجاليات الإسلامية في اوروبا التي لم تتحرك بقوة وفعالية في الشارع رفضاً لما يجري، بل كادت ردة فعلها تقتصر على ادانة ردة فعل المجتمعات الأوروبية وما أظهرته من هواجس وشكوك ومشاعر معادية للارهاب.

لا بد وان تكون ردة الفعل الاسلامي على مستوى الحكومات والمرجعيات الدينية والجاليات الاسلامية في الغرب متناسبة مع الحدث ولا بدّ من حدوث تغيير في العالم العربي والإسلامي تكون في مستوى التحديات والأخطار ويبدأ من تغيير طريقة التعاطي مع معضلة التطرف والإرهاب وكيفية مقاربتها ومن تغيير المناهج التربوية والتعليمية وصولاً الى تغيير في ذهنية بعض الحكام للخروج من نفق الحروب العبثية والإنتقال الى عصر الحرية والديموقراطية لايقاف هذه الموجة من الحروب والفرار من اوطاننا ومنطقتنا الى عالم آخر من المفترض انه آمن ومستقر ولكن موجة التطرف والإرهاب وصلته وخربته واربكته وافقدته توازنه و«صوابه».