IMLebanon

لمَ العناد: زمن «الترشيــحَين» انتهى

لا يختلف إثنان، باستثناء الحالمين، على أنّ المعركة الرئاسية الدائرة ستشهد انتصاراً لفريق على آخر، فيما كلّ الوقائع تقول باستحالة المضيّ في «الترشيحَين» المعلنين إلى النهايات الحتمية. وما على اللبنانيين سوى فتحِ اللائحة المارونية بالمرشّحين الأكْفاء لملء الشغور الرئاسي بغية استعادة الدولة المخطوفة وإحياء المؤسسات المشلولة قبل فوات الأوان. فما الذي يقود إلى المعادلة الجديدة؟

ليس جديداً أن ينعى رئيس مجلس النواب نبيه برّي الثنائية المتحكّمة بالبلاد والعباد في السَنة الحادية عشرة لقيام معادلتَي «8 و14 آذار» اللتين تحكّمتا بمحطات سياسية كثيرة.

فقد تسبّبتا بانقسامات حادة تبيّن أنّ قسماً منها بات وهماً يمكن تجاوزه. إذ إنّ تحالفات كثيرة بُنيت لأغراض مرحلية وظرفية وكردّة فعل على حدثٍ ما، فبات الجميع أسرى المعادلة السلبية التي دفعَت أن تكون معظم القوى أسرى مواقف لا تتلاءَم ومبادئَهم والثوابت عدا عن المصالح البعيدة المدى المتأثّرة بفعل المتغيّرات الإقليمية والدولية التي تفرض إعادة نظر دراماتيكية أحياناً.

ولذلك وصِفت مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى نَعي الثنائية الآذارية بمثابة وضعِ الحجر الكبير فوق قبرِها، ولفت نظر الجميع إلى خطورة ما بلغَته الحال في البلاد، وأنّ التخفيف أو التقليل من مخاطر ما هو منتظر يعَدّ ضرباً من الجنون.

فليس هناك من يستطيع تقدير حجم الأضرار المنتظرة ممّا يجري في حال المضيّ في توسيع الشروخ الطائفية والمذهبية في مقاربة الملفّات الوطنية ونزع الصفات الوطنية الكبرى التي تميّزها لتعزيز كلّ أشكال الإنقسامات.

وصولاً إلى الإمعان في تفكيك المؤسسات الدستورية الإدارية منها والرقابية، كذلك بالنسبة إلى آليّات الحُكم في البلاد التي تفتقد وجودَ مَن بات قادراً على الحسم في أيّ ملف من الملفات المفتوحة على أشكالها المتعدّدة.

والأخطر، أنّ العارفين ببعض الحقائق، يعترفون أنّ محاولة البعض تصوير الفشل الذريع الذي حصَده من جرّاء تصرّفاته أثناء أداء المهمّة بات أمراً معكوساً عندما يتباهى هؤلاء بأنّ «العرقلة» باتت إنجازاً يدّعيه ويطلب المكافأة على أساسه.

بالإضافة الى سلوكيات البعض المبنية على سيلٍ من الأوهام، خصوصاً عندما يعتقد أنّ الدنيا تدور من حوله وينتظر ظروفاً إقليمية ودولية متعثّرة تفتح الطريق الى قصر بعبدا على مجموعة من «سراب الخطوات».

وعلى خط مقابل، جاءَت خطوة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل بطرح سلّة من الأسماء المارونية الجديدة المؤهّلة لخوض الاستحقاق الرئاسي من باب البحث وتوسيع المخارج المحتملة طالما إنّ محوري «8 و14 آذار» باتا من الماضي من جرّاء الأخطاء التي ارتكبَها قادة الطرفين، من دون ان يكون في الأمر اعتداء على أحد.

فالدلائل على سقوطهما باتت مفضوحة عندما أعلن قطبان من «14 آذار» هما الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع ترشيحَ قطبَين من «8 آذار» هما العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، من دون أن تلاقيَ خطوتهما ايّ مباركة نهائية وشاملة من حلفائهما قبل الخصوم، على رغم المغريات التي قادت الى النشوة التي تعيشها «8 آذار» بلا أيّ مسوغ.

وهما يَعترفان بحجم الانقسام الذي وضع «8 آذار» على لائحة «حركات التاريخ القديم» كونها قوّة موحّدة تتباهى أمام غريمتها «14 آذار» بطريقة تعاطي الحلفاء في ما بينهم وحجم الوفاء المتبادل الى يوم الدين، فإذا بهم يقدّمون النموذج الأسوأ في السر والعلن. وما موقف برّي الأخير سوى إشارة أحد أقطابهم للاعتراف بالواقع الصعب ووقف موجة التباهي بالأحلاف الصادقة المنهارة.

وعلى رغم هذه القراءة الواقعية، لم يكن جمهور أيّ من الفريقين ينتظرها من أيّ منهما. والأمر يعود إلى حجم الشعارات الكبيرة التي رُفعت في فترة من الفترات وتبيّنَ عند انهيارها أنّها «فقاقيع صابون»، وما كان مفروضاً على الجميع من تحالفات خارجة عن المألوف لعقدٍ من الزمن، وقَعت الأزمات الكبرى في المنطقة فأعادت تركيب تحالفات جديدة.

والدليل على ذلك سعيُ بعض القادة إلى إحياء المفاهيم التي بنيَت عليها تحالفات فريقَي «8 و14 آذار»، فلا يصدّقهم أحد من مرافقيهم وأقرب المقربين إليهم في ضوء التصرّفات الأخيرة.

وجاءت التحالفات الانتخابية في البلديات الكبرى لتجمعَ الأضدّاد وسط معارك محدودة توقّفت عند الأحجام والأرقام وانتهت باعتراف الجميع على خصوصية وأرجحية رأي «أهل البيت». وجاءت لائحة «البيارتة» لتؤكّد «اعتراف الكلّ بالكل».

فما الذي يمنع اعترافهم جميعاً بسقوط الأحلاف الكبيرة فيرضخون لنعي بري الكتلتين الكبيرتين ويسعون الى ترجمة مشروع الجميّل الذي يفتح الآفاق أمام مرشّحين جدد لرئاسة الجمهورية ويُحرّكون المياه الراكدة تحت وجه «العفن الرئاسي»، خصوصاً أنّ مِن بينهم أسماء كبيرة يشهد تاريخهم على مهمّاتهم الناجحة، فهل هناك من سيتلقّف الخطوتين ويبادر؟