ما الذي حمل شاباً عشرينياً داعشياً على المحاولة الانتحارية الفاشلة لتفجير كنيسة السيدة العذراء بمنطقة مسطرد، بشبرا الخيمة، ومحاولة قتل أكبر عدد من المسيحيين المحتفلين بمناسبة دينية، التي انتهت بانفجار الحزام الناسف في جسده ومقتله فوراً؟
لا أجد تفسيراً منطقياً للدواعش الذين يستهدفون الكنائس والحسينيات، إلا الرغبة في أن يقدح واحد من هذه التفجيرات شرارة طائفية خطيرة تسبب شرخاً مجتمعياً لحاجة في نفس «داعش» قضاها، ومن يستقرئ حال الحركات الإرهابية، كـ«القاعدة» في أفغانستان، وحركة الشباب في الصومال، و«داعش» في العراق وسوريا، والحوادث الإرهابية في الدول الغربية، يلاحظ أنها اهتزت وربت، وأنبتت نفوذاً وانتشاراً واستقطاباً للشباب، في أجواء الفوضى والاحتراب الداخلي، والعكس بالعكس، فالاستقرار يخنقها، والتفاهم يكتمها، والتناغم الوطني يقتلها.
لم يبقَ من دولة «داعش» المزعومة الإرهابية الغريبة المريبة في تخوم العراق وروابي الشام إلا جيوب عصابات متهالكة متناحرة، وليس أجدى للتنظيم والحال هذه من إيقاظ عناصره النائمة في الدول المحورية، كمصر والسعودية ودول عربية أخرى؛ «داعش» يريد بأي ثمن أن يخلق الفوضى ليستنشق الحياة، وينشر الفوضى ليضمن له الاستمرار، وليس ثمة أسهل من ارتداء حزام ناسف، ثم التوجه لكنيسة أو حسينية لتفجيرها. وحين تنعدم الوسائل التقليدية في تنفيذ خطط الإرهاب، تبتكر العقول وسائل جديدة، كالشاحنات، لإحداث أكبر مجزرة.
حوادث التفجير الإرهابية هذه يجب أن تُستثمر في شن حملة «مرشدة» من العلماء وطلبة العلم والمهتمين بالشأن الإسلامي لتنقيح «الخطاب الديني» مما علق به من تشوهات تسربلت بلبوس الدين، فالنظرة إلى أتباع الملل والنحل الأخرى ما برحت تغذيها أدبيات مشوهة، ولغة تبعث كراهية «الغير»، وربما الإساءة إليهم، فقط بسبب الانتماء الديني والمذهبي، وهو ما تضافرت النصوص الشرعية على بطلانه والتحذير منه، مثل الدعاء على عموم التابعين لملة مغايرة أو نحلة مخالفة (بتجفيف الأنهار، وتيتيم الأطفال، وترميل النساء، وانتشار الأوباء، وأن يحصيهم عدداً، ويقتلهم بدداً، ولا يغادر منهم أحداً)، مما يخالف «رحمة للعالمين»، التي ترتكز عليها رسالة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم. ولا أقصد أن مثل هذا الدعاء يؤدي إلى التحول مباشرة لإرهابي يفجر أماكن العبادة للديانات والمذاهب المختلفة، ويفتك بالمنتمين لها، ولكنه يهيئ بيئة خصبة تجعل المتأثر بها لا يرى في الإساءة لأتباع هذه الديانات جريمة كبرى تستحق التنديد بلغة صريحة لا تحتمل حروف الاستدراك، «لكن» وأخواتها، وقد حدث في بلد عربي أن وجه جندي في المطافئ سؤالاً صادماً مؤسفاً له دلالاته وأبعاده الخطيرة إلى عالم شرعي؛ يقول سؤاله: هل يجوز أن أتلكأ وأتباطأ في التحرك لإطفاء حريق اندلع في بيت ينتمي أهله لمذهب يخالف مذهبنا؟
وستتوالى حوادث الإرهاب من «داعش» وغيرها ما لم تتم المعالجة الصادقة المخلصة، من جذورها السياسية والدينية والفكرية والاجتماعية والأمنية، بعيداً عن تصفية الحسابات الفئوية.