Site icon IMLebanon

لماذا استهداف الجيش في الشمال خصوصاً ومَن المستفيد؟

هل بدأت المجموعات التكفيرية وامتداداتها الداخلية مرحلتها المتقدمة في خطتها الهادفة الى عزل الجيش عن شريحة اساسية وبيئة حاضنة ورافدة تاريخيا له بالعديد؟

هذا السؤال مطروح منذ زمن بعيد وتحديداً منذ ان شرع سياسيون لبنانيون ومعهم مجموعات ارهابية في حملة تشكيك واسعة ومعلنة بالمؤسسة العسكرية اتكأت اكثر ما يكون على:

– اطلاق خطاب يصم الجيش بأنه مؤسسة تمارس الانحياز وتفتقد الوطنية انطلاقا من انه يعمل ضد الشريحة السنية.

– دعوة العناصر السنية في الجيش الى الخروج منه سريعاً دونما تردد.

لكن السؤال اياه بات اكثر إلحاحا خلال الساعات والايام القليلة الماضية وتحديداً منذ ان بدأت وفي مناطق شمالية وبالاخص عمليات قتل منظمة لعناصر الجيش في وضح النهار اثناء وجودهم في مراكز خدمتهم او ابان ذهابهم اليها او عودتهم منها على غرار ما حصل صبيحة الخميس الماضي عند مفترق احدى القرى العكارية، فضلاً عن عمليات استهداف مراكز الجيش ودورياته في طرابلس، وهو ما ادى بحسب مصادر الجيش الى استشهاد ثلاثة عسكريين وجرح اكثر من 12 آخرين، الامر الذي ترك انطباعا جوهره ان هناك حرب عصابات منظمة تستهدف الجيش.

وكانت الذروة في هذه المنهجية المدروسة بدقة أمس من خلال الاعلان عن انشقاق عنصر من الجيش والتحاقه بـ”جبهة النصرة” في جرود عرسال. هذه العملية قد تكون في نظر البعض محدودة، لكنها تنطوي ولا ريب على أبعاد ودلالات بالغة الخطورة والسلبية خصوصا في هذه المنطقة حيث فتحت المؤسسة العسكرية باب المواجهة على مصراعيه مع الارهاب الساعي الى التمدد والاستحواذ على الساحة اللبنانية وتحديداً بعد معركة عرسال الاولى.

وفي رأي اوساط سياسية ان خطورة هذه التطورات الميدانية والسياسية مجتمعة تتمثل في انها تشكل عملية دفرسوار منظمة للاجماع الوطني الكاسح على مواجهة الارهاب واطماعه في الداخل اللبناني، فضلا عن ان هذا النوع من العمليات هو محاكاة لعقلية تحكمت بقرار الارهابيين في أي ميدان ظهروا فيه وفي اي دولة حلوا فيها وعنوانه العريض العمل على تفكيك الجيش الوطني كمقدمة لازمة لتفكيك بنى الدولة التي يريدون رؤيتها تتداعى وتنهار.

منهجية التعرض المتتالي للجيش استهدفت اكثر ما يكون التأثير على البيئة السنية الرافدة والحاضنة له، خصوصا في الشمال، ادراكا من اصحابها لحجم انعكاس ذلك على المؤسسة العسكرية وعلى مكانتها وموقعها الوطني، وإدراكاً منهم أيضاً ان عنصر السنّة في الجيش يشكل ما لا يقل عن ثلث عديده، وهذا يعني ان المطلوب هو فك ارتباط هذه البيئة بالجيش او في اضعف الحالات ارهابها على المدى الطويل واشعارها بأنها تسير في الاتجاه الخاطئ. ولم يعد خافيا ان هذا النهج بدأ عشية احداث عرسال وتحديداً يوم اظهرت مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لـ”جبهة النصرة”، صورة جندي لبناني يرفع بطاقته العسكرية ويعلن انشقاقه وانضمامه الى “النصرة” في جرود القلمون السورية متهماً الجيش بأنه صار يأتمر بأوامر ايران و”حزب الله”.

وقبل ذلك كان الخطاب الذي اطلقته هيئات علمائية سنية ضد ما سمته استهداف الجيش حصرا للسنة في لبنان وخصوصا في الشمال. واعقبت ذلك دعوات مباشرة وجهت الى العناصر السنية في الجيش للخروج منه تحت ذريعة حرمة البقاء فيه شرعا. وثالثة الاثافي كانت عمليات الترهيب للعناصر السنية عبر الشروع بقتلها في استكمال مبرمج كانت طرابلس ميدانه من خلال التعرض اليومي ومنذ نحو خمسة اشهر لدورياته ومواقعه بغية اظهاره في موقع العاجز والقاصر عن الرد الحاسم والجازم.

أمام هذا التكرار المترابط الحلقات لم يعد بامكان احد ادراج الامر في خانة الاحداث العابرة او الفردية او ردود الفعل على فعل معين، فاستهداف عناصر الجيش يتم يوميا مباشرة وفي وضح النهار وفي الليل ايضا، والحملات السياسية والاعلامية على المؤسسة العسكرية استحالت خطابا يوميا مصدره جهات علمائية لها حضورها، ومن بين اعضائها من هو محسوب على مرجعيات دينية رسمية، في حين ان ثمة معلومات تشير الى ان هناك 5 دور عبادة في طرابلس تكفلت بالتهجم على الجيش.

وبما ان الجيش يواجه منذ اكثر من شهر في عرسال حرب الارهاب الشرسة عليه، فان مصادر قيادة هذه المؤسسة باتت تتعامل مع هذه الهجمة الداخلية عليها على انها فعل متعمد لمصلحة الارهابيين كونه يلهي الجيش عن مهمته الاساسية ويغرقه في صراعات من جهة، وكونه يعمل على اضعاف معنوياته والتأثير على بيئته الوطنية الحاضنة والرافدة من جهة اخرى.

واللافت ان كل هذا السيناريو المتدحرج يفعل فعله ويأخذ مداه من دون ان يلقى المواجهة الحازمة والمعالجة الحاسمة سواء من جانب الحكومة او من جانب السياسيين المعنيين ولا سيما قيادات الشمال. ولم يعد خافيا ان ثمة من يرى ان رد قيادة الجيش على ما تتعرض له المؤسسة العسكرية خصوصا في الآونة الاخيرة، هو رد ضعيف، او على الاقل ليس بحجم الهجمة التي تستهدفه ويراد من ورائها اما ان يستسلم لأمر واقع ويخلي الساحة ويقف موقف المتفرج، او ان يطاولها التشقق عبر تكرار عمليات انشقاق عناصر من لون مذهبي معين، وهي وان ظلت محدودة فانها ستترك تأثيرات وتداعيات سلبية على معنويات المؤسسة وعلى صورتها الوطنية. وفي كل الاحوال فان خطورة المشهد برمته هو أنه في ظل الرغبة الجلية للارهاب في النفاذ الى العمق اللبناني يشكل الجيش الحاجز المانع والحائل، فاذا ما فقدت هذه المؤسسة مزيتها الاساسية كآخر المؤسسات الوطنية، فساعتها سيسهل على الارهابيين الذين هم في ذروة اندفاعتهم، اما تحقيق ما عجزوا حتى الآن عن بلوغه وهو النفاذ، او تشريع الابواب امام الصراعات والنزاعات الداخلية.