كشفت مصادر فلسطينيّة أنّ طهران أبدت أخيراً عتبها على السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي الأساس على حركة «فتح» لمشاركتها عبر ممثّل لها في المؤتمر العام للمعارضة الإيرانية الذي انعقدت فعالياته في باريس لأيام عدة بدءاً من ٩ تموز الجاري، وشارك فيه وفق مصادر المعارضة الإيرانية نحو مئة ألف ايراني من مهاجري أنحاء العالم كافة، ونحو مئة شخصية سياسية عربية وغربية وأميركية؛ الأمر الذي اعتبرته طهران أضخَم استعراض مقصود لإظهار قوة المعارضة الإيرانية.
في «فتح»، يُقلّلون من أهمية مشاركتهم في مؤتمر باريس، وتقول مصادر الحركة إنّ العلاقة بين «مجاهدي خلق» و»فتح» قديمة وهي سابقة لظهور الثورة الخمينية في ايران. وكانت بدأت كردٍّ طبيعي من «فتح» على علاقات ايران الوثيقة مع إسرائيل أيام الشاه محمد رضا بهلوي. وكانت معسكرات «فتح» استضافت بين عامي ١٩٦٩ و١٩٧٠ العشرات من أعضاء «مجاهدي خلق» ودرّبتهم.
ولفتت المصادر إلى أنّ «العلاقة بين الطرفين استمرت انطلاقاً من اعتبارات أخلاقية وعدم القطع مع جذورها التاريخية، ولكن توازياً فتحت «فتح» علاقات وثيقة مع الثورة الخمينية منذ كان إمامها موجوداً في العراق عام ١٩٦٨، حيث زاره ياسر عرفات حينها في بغداد، ومن ثمّ زاره في طهران بعد أن تسلّمت الثورة الحكم في ايران.
وجسّدت بيانات إيرانية ـ فتحاوية منذ تلك الفترة وفي أوقات مختلفة الرغبة المشتركة في التعاون، بداية في وجه «كمب ديفيد» حينما ذهب الرئيس المصري أنور السادات الى القدس، ولاحقاً تبرّعت «فتح» بأن تلعب دوراً في الوساطة بين ايران ودولة الإمارات العربية المتحدة لحلّ قضية الجزر الثلاث.
ولكنّ المتابعين لملف علاقة «فتح» بإيران لا ينكرون حقيقة أنها مرّت بامتحانات عدة قاسية وتعرّضت غير مرة لانتكاسات صعبة. وثمّة انطباع بأنّ هذه العلاقة تمرّ الآن بعد مشاركة «فتح» في مؤتمر باريس للمعارضة الإيرانية في مرحلة جديدة من الصعوبات.
لم يصل حتى الآن إلى طهران ردّ فعل رسمي من «فتح» على عتبها عليها لمشاركتها في مؤتمر باريس. وهناك أكثر من تعليل لذلك؛ أحدها يفيد أنّ الرئيس محمود عباس المعني بإيصال إيضاح لطهران كونه يجمع بين منصبي رئيس السلطة الوطنية وزعيم «فتح»، كان خلال الفترة الماضية في حال عزاء على موت شقيقه.
وعلى رغم من الهنات التي تشوب هذا العذر، فإنّ بعض أجواء «فتح» التي تريد الحفاظ على «شعرة معاوية» مع ايران تُدرجه كتفسير مقبول، فيما ترى أوساط فتحاوية أخرى أنّ قيادة «فتح» تميل لإدارة ظهرها لهذا العتب الايراني، لأنّ طهران من وجهة نظرها، تبالغ في لومها الحركة على المشاركة في مؤتمر لـ«مجاهدي خلق»، لأنه كان على إيران أن تنظر إلى هذه المشاركة انطلاقاً من مسار العلاقة التاريخية الذي يربط بين «فتح» و«مجاهدي خلق»؛ وهي علاقة سابقة في نشأتها لتولّي مريم رجوي رئاسة التنظيم الايراني الأخير، وبهذا المعنى هي علاقة «حفظ ودّ أخلاقي» أكثر ممّا هي علاقة سياسية او مسايرة هدف منظمي مؤتمر باريس الراغب في خلق قلاقل وثورات داخل كلّ إيران كما دعا الرئيس السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل خلال إلقائه كلمته في المؤتمر.
والواقع أنّ العلاقة بين «فتح» والثورة الاسلامية في ايران، عاشت في كلّ مراحلها في حال من المدٍّ والجزر والتجاذب وعدم الاستقرار. وهي من منظار ايران الثورة الخمينية لها، كانت دائماً تتفاعل بين وجهتي نظر، إحداها مؤيّدة للعلاقة مع «فتح» والثانية نابذة لها.
وهاتان النظريّتان المتناقضتان عن العلاقة مع «فتح»، لديهما إرثهما النظري ومواقعهما المتوارثة داخل بيئة رجال الدين التي توجّه عادة علاقات إيران الثورية مع حركات التحرّر والأحزاب الاسلامية العربية.
ويُعتبر خط الشيخ محمد منتظري من المدافعين عن العلاقة مع «فتح» داخل نظام الثورة الاسلامية. ومنتظري كان أرسى منذ أيام التحضير للثورة الخمينية وحتى مطالع عهدها دولة شراكة مع الرجل الثاني في «فتح» خليل الوزير (ابو جهاد) أثمرت عن فتح الحركة معسكراتها في العراق وسوريا ولبنان لتدريب عشرات الثوار الإيرانيين من انصار الخميني وذلك في الأعوام ١٩٧٣ و١٩٧٥ (في معسكر دوما قرب دمشق) و١٩٧٦ (في معسكر الصرفند).
وبعد نجاح الثورة تبرّعت بإرسال خبراء لتدريب الجيش الايراني على استخدام السلاح الروسي، وقبلت طهران بأن يقتصر التدريب على الحرس الشعبي الايراني.
وفي مقابل خطّ منتظري، هناك خطّ الشيخ علي أكبر محتشمي المعارض للعلاقة مع «فتح». وترى الحركة أنه منذ تعيين الاخير سفيراً لإيران في دمشق، أواخر عام 1981، بدأ بروز مسار فتور العلاقة بين «فتح» منظمة التحرير من جهة وطهران من جهة ثانية.
وسبب ذلك أنّ محتشمي شكّك في مواقف «فتح» والمنظمة تجاه نهجهما المرن لمصلحة التسوية مع اسرائيل. ورأى محتشمي أنّ من الافضل لإيران التحالف مع فصيل اسلامي فلسطيني، ويبدو أنّ هذه النظرية تغلّبت في ايران، ما يُفسّر إنشاءها أقوى علاقة لاحقاً مع «حماس» على حساب «فتح».
في «فتح» يعتبرون الآن أنّه بعيداً من واقعة مؤتمر باريس؛ فإنّ علاقتهم الراهنة بطهران تواجه أزمة لأنّ نظرية محتشمي لا تزال هي السائدة داخل بيئة القرار الايراني، وذلك على رغم خيبات الأمل التي لحقت بالإيرانيين من «حماس» والتي كان آخرها موقفها المنخرط في الحرب السورية ضدّ النظام السوري والمؤيّد لمشروع التنظيم الدولي لـ»الإخوان المسلمين» الساعي إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، حليف طهران الأبرز في المنطقة.