قبل انفجار أزمة النفايات، قال وزير بارز في اجتماع كتلة «المستقبل» كلاماً يوحي باليأس وانعدام الفائدة من الاستمرار في المشاركة في هذه الحكومة، حيث تزايدت الخسائر المستقبلية والـ14 آذارية، إلى حدّ تحَوُّل هؤلاء الأفرقاء إلى متّهمين بالفساد، وحيث باتت الوزارات الحسّاسة ومنها وزارة الداخلية، وزارة المواجهة مع الشارع.
في الأمس طُرح نقاش مماثل في جلسة مغلقة ضمَّت عدداً من الرموز في «14 آذار»، وطرحت مشاركة هذه القوى في الحكومة على بساط البحث لجهة جدولة الخسائر والأرباح، وهذا نقاش يجري للمرّة الأولى بهذه الصراحة، في ظلّ عدم تجَرّؤ هذا الفريق على البحث في مجرّد فكرة الانسحاب من الحكومة وتحويلها الى حكومة تسيير أعمال، باعتبار أنّ المناخ العربي والدولي والاقليمي يرفض المساس بالحكومة، ويعتبرها صمّام الامان الوحيد المتبقي الذي يحول دون الذهاب الى الفوضى، هذا مع العِلم أنّ الحرص الدولي والاوروبي على الاستقرار اللبناني ازداد أضعافاً بعد أزمة اللاجئين السوريين، خوفاً من توجّه مئات الآلاف منهم اليها أسوةً بالذين يتوجّهون من تركيا.
أصحاب الرأي القائل بتحويل الحكومة الى حكومة تصريف اعمال، يرجعون بالذاكرة الى الاسابيع الماضية حيث قام «حزب الله» ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون بابتزاز الحكومة ورئيسها، ابتزازاً ممنهجاً، في قضية الترقيات العسكرية التي هي إحدى مطالب عون.
يتساءل أصحاب هذا الرأي عن السبب الذي يجعل «14 آذار» تقبَل بهذا الابتزاز، وعن السبب الذي يمنع رئيس الحكومة تمام سلام من اعتماد سياسة حازمة تقطع الطريق على تعطيل مجلس الوزراء، ويتساءلون ألا يمكن البقاء في الحكومة في آن، وإشعار الطرف الآخر أنّ هناك خطوطاً حمراً للتنازلات، وللدلع السياسي الذي وصَل الى حدّ ربط المطالب العائلية برفع النفايات من الشوارع، والذي لا توجَد ضمانة بانتهائه إذا ما تمّت تلبية المطالب، باعتبار أنّ هذا الطرف جاهز في أيّ لحظة للتعطيل بذرائع، وذرائع لا تنتهي. وما قصّة الشهود الزور في حكومة الرئيس سعد الحريري إلّا نموذجاً عمّا حدثَ في هذا الإطار منذ العام 2005 وإلى اليوم.
في موازاة التساؤل حول جدوى البقاء في الحكومة، يدور نقاش آخر حول آلية الحوار، وضرورة التمسك بأولوياته، التي تبدأ من ملف رئاسة الجمهورية ولا تنتقل إلى أيّ ملف آخر إذا لم يتمّ الاتفاق على الرئاسة.
يعقد ممثّلو «14 آذار» اجتماعات تنسيقية مستمرّة في بيت الوسط، للثبات على هذا الموقف، الذي أحرجَ العماد عون فغاب عن الجلسة الثانية للحوار.
وتتساءَل أوساط «14 آذارية» عن موقف الرئيس نبيه برّي الحقيقي في نهاية مطاف الحوار، وتحديداً عن موقفه من الانتقال إلى ملف بحث آليّة الحكومة والتشريع في المجلس النيابي، وكلّها تحمل مخاطر تحويل هيئة الحوار إلى هيئة تأسيسية، وهو ما يعني بداية البحث في تعديل اتّفاق الطائف، مع ما يستجرّ ذلك من فتح للأبواب على الفوضى المنظّمة وغير المنظمة.
إستباقاً لهذا الخطر، تتمسّك قوى «14 آذار» ببقاء هذه الحكومة، لأنّ استقالتها تُسَرّع الطريق نحو المؤتمر التأسيسي. وتؤكّد هذه القوى استمرار المشاركة في الحوار، إلّا إذا أخرَج الرئيس برّي في الجلسة المقبلة أرنباً من قبّعته، عندها سيُدرَس الطرح الجديد والتعامل معه بما يتوافق مع الطائف، وبما لا يساعد أصحاب أجندة الانقلاب على تنفيذ مخططاتهم، لكن ما من أحد يتوقع استمرار الجلسات الحوارية بالوتيرة نفسها مرتكزةً حول موضوع واحد، فماذا سيستحضر الرئيس برّي في الجلسة المقبلة، وكيف سيكون ردّ فعل قوى «14 آذار»؟