IMLebanon

لماذا لا تستفيد الحكومة من استضافة النازحين؟

عرفت تركيا كيف تستفيد من أزمة النازحين السوريين على أرضها، فعقدت إتفاقاً مع دول الإتحاد الأوروبي يجعلها تستردّ بعض الذين «هجّرتهم» من بلدها الى إحداها بطرق غير شرعية، مقابل مبالغ طائلة من الأموال تتلقّاها على مراحل ووعود بتحقيق حلمها بالانضمام الى الإتحاد الأوروبي، فضلاً عن اعتماد دخولها الى دول الإتحاد من دون الحاجة الى فيزا وسوى ذلك. في الوقت الذي لا يزال لبنان ينتظر وصول المساعدات المالية، التي لن تصله أبداً من مؤتمرات الدول المانحة، وإذا حصل منها على شيء فلا يتعدّى الفتات، وللمنظمات التي تهتمّ بشؤون اللاجئين في لبنان، وليس للحكومة اللبنانية.

وإذ أوضحت أوساط ديبلوماسية أوروبية عليمة أنّ مبلغ الستة مليارات يورو التي حصلت عليها تركيا من الإتفاق مع الدول الأوروبية لا تذهب للحكومة نفسها، بل أيضاً للمنظمات المعنية بشؤون اللاجئين على غرار ما يحصل مع لبنان، واشارت الى أنّ المبالغ التي تحصل عليها تركيا هائلة، وإن لم تكن مخصّصة للحكومة. ثمّ إنّ ليس أمر الأموال هو ما يهمّ أنقرة، بقدر ما يهمّها تحقيق مطالب سياسية وديبلوماسية، وقد تمكّنت من انتزاعها بحنكة من دول أوروبا. فيما لبنان لا يزال يتخبّط للحصول على المساعدات المالية التي تبقي النازحين على أرضهم، بدلاً من إعادتهم الى بلادهم، على ما تريد حكومته.

فالهجرة غير الشرعية التي بدأها النازحون السياسيون منذ نحو عام، لم تكن من بنات أفكارهم، على ما تقول الاوساط، كونهم كانوا يريدون الإستقرار في دول الجوار حيث يمكنهم التعاطي بسهولة مع أهل البلد، إن كان لبنان أو الأردن أو سواهما، ولم تكن في نيّتهم الهجرة الى بلد ثالث لا يفهمون لغة شعبه، كما تختلف عاداته عن عاداتهم وتقاليدهم. غير أنّ بعض المتاجرين بالبشر في تركيا قاموا بهذه المبادرة فشجّعوهم على السفر في البحر، بطريقة غير شرعية، الى اليونان واللجوء منها الى إحدى الدول الأوروبية، ولم تعترض حكومة بلادهم على ذلك، سوى في الظاهر، لأنّها كانت تعلم أهمية هذه الخطوة، وما قد تدرّه عليها في المستقبل القريب، ليس فقط من أموال إنّما من اتفاق جيّد مع دول أوروبا.

أمّا لبنان فلن يوقّع إتفاقاً شبيهاً بذلك الذي وقّعته تركيا مع دول الإتحاد الأوروبي، على ما تؤكّد الأوساط، فما يتلقّاه من مساعدات مالية تذهب للمنظمات كافٍ بحسب رأيها، لاستضافة هؤلاء، وإن كانت تشجّعه وتدعمه على ضيافته وكرمه لاستقبال هذا العدد الهائل من النازحين السوريين الذي يفوق عددهم أولئك الذين لجأوا الى الدول الأوروبية كافة، رغم التفاوت في الإمكانات والقدرات والمساحة الشاسعة لدول الإتحاد. كما أنّ حكومته، على ما يرى بعض المطّلعين، لم تضع أي مطالب أو شروط في هذا الإطار، باستثناء تشديدها، على رفضها مبدأ توطين أي نازحين أو لاجئين الى لبنان فيه، وعدم الموافقة بالتالي على دمجهم في المجتمع اللبناني لا سيما وأنّ هذا الأمر يُهدّد كيانه ووجوده.

كذلك فإنّ حكومة لبنان لا تُبدي اهتماماً بإلغاء تأشيرة الفيزا للدخول الى دول الإتحاد الأوروبي، ولا بالإنضمام الى الإتحاد الأوروبي، على ما تطمح تركيا، رغم أنّنا أقرب الى الدول الأوروبية من أنقرة كبلد فرانكوفوني أولاً، وكون غالبية أبنائه ثانياً يُهاجرون اليها ويندمجون فيها، لا سيما المسيحيين منهم، الذين يتقاسمون معها أموراً عدّة مثل الدين والثقافة والعادات والحضارة وغير ذلك. رغم ذلك يبقى أمام الحكومة الكثير من المطالب التي يُمكنها أن تُحقّقها جراء استضافة النازحين على الأراضي اللبنانية، أولها وضع شرط إعادة جميع النازحين السوريين الى بلادهم، على حد قول الاوساط إن على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، على ما سبق واقترح وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في بروكسل خلال اجتماعه بنظرائه الأوروبيين. ما يعني أنّ العودة يمكنها أن تبدأ منذ الآن الى المناطق الآمنة، وتنتهي مع إيجاد الحلّ للأزمة السورية وإعادة إعمار البلاد بهدف تأمين عودة كلّ النازحين من دول الجوار والدول الأوروبية الى بلدهم.

أمّا أن يجري الحديث عن توطين جزء من النازحين السوريين، على ما يقول البعض، ثمّ منحهم الجنسية اللبنانية تدريجاً، بحسب طائفتهم السنيّة من أجل زيادة عدد اللبنانيين من الطائفة المذكورة، فهو أمر لن يحصل، على ما أكّدت الأوساط نفسها، لأنّه يخلق عندها مشاكل جديدة في البلد هو بغنى عنها بين الطوائف. وذكّرت بما حصل مع مرسوم التجنيس الأخير الذي جعل عرب وادي خالد الذين لا يتقنون اللهجة اللبنانية «لبنانيين»، في حين منعها عن عائلات تستحقّها بالفعل.

على أي حال، لا مجال مطلقاً لأن يستوعب لبنان أي «غرباء» جدد على أرضه، وقد تعامل مع الجميع بكلّ إنسانية وكرم ظاهر حتى الآن، غير أنّه لا يستطيع تكبّد المزيد من الأعباء، على ما ذكرت الأوساط، وإيجاد فرص عمل للنازحين في الوقت الذي يعاني شبابه من البطالة. كما أنّه لا يمكنه تسجيل الأطفال عنوة في المدارس الرسمية والذي لا يُكلّف سوى مبلغ رمزي لا يتعدّى الألف ليرة، في الوقت الذي يرتأي فيه أهلهم بنشرهم على الطرقات للتسوّل أو بيع العلكة.

المطلوب إذاً من الحكومة اليوم، على ما يُشدّد بعض المراقبين، أن تضع خطة تتعلّق بالنازحين السوريين تجعلها تستفيد من فترة استضافتهم بهدف إعادتهم الى بلادهم في نهاية الأمر، وليس قبض الأموال إمّا لتوطين جزء منهم، أو لإبقائهم على أرضها لأطول مدّة ممكنة، أو أن يُفرض على لبنان عدم ترحيلهم أو طردهم أو إجبارهم على العودة في حال توفّر الأمن والاستقرار في بلدهم، وهم يرفضون ذلك. وتحاول الدول الأوروبية تمرير فكرة «دمجهم» في المجتمعات المضيفة، رغم أنّ لبنان يرفض هذا الأمر رفضاً قاطعاً.