منذ تأليف حكومة الرئيس تمّام سلام تتصاعد أصوات وزارية مطالبة بالتنسيق بين لبنان والنظام السوري تحت عنوان مواجهة الإرهاب، الأمر الذي كانت تواجِهه الأكثرية الحكومية، وتعمَد إلى إسقاطه باستمرار، رافضةً التنسيق العسكري والأمني بين لبنان والنظام السوري، ومتمسّكةً بسياسة «النأي بالنفس».
قال مصدر وزاريّ في قوى 14 آذار لـ«الجمهورية» إنّ «قوى 8 آذار، وفي كلّ محطة عسكرية أمنيّة تتصل بالحدود اللبنانية – السورية في ظلّ المواجهة المفتوحة مع التنظيمات الإرهابية إنْ في عرسال أو رأس بعلبك أو القلمون، تُطلِق الدعوات لإقامة التنسيق الأمني بين الجيشَين اللبناني والسوري، من دون الأخذ في الاعتبار سلبيّات خطوةٍ من هذا النوع، والتي تكمن في الآتي:
أوّلاً، عودة التنسيق اللبناني- السوري تعني أنّ لبنان قرّرَ أن يضعَ نفسَه في مواجهة الشرعيتين العربية والدولية، الأمر الذي يرتدّ عليه سلباً لجهة تعرّضِه لعُزلة عربية ودولية شبيهة بالعزلة المفروضة على النظام السوري، في الوقت الذي يحتاج فيه لبنان إلى الحفاظ على المظلّتين العربية والدولية من أجل تحييد نفسِه قدر المستطاع عن الأزمة السورية وصراع المحاور في المنطقة.
فعندما حصلَ الاشتباك السياسي بين السيّد حسن نصرالله ودولة البحرين، نجحَت الحكومة بتوجيه رسالة إلى البحرين بأنّ موقفَ لبنان الرسمي يحترم سيادتها واستقرارَها، وأنّ كلّ المواقف التي تصدر عن هذه الجهة أم تلك، لا تُعبّر عن موقف لبنان الرسمي.
ثانياً، عودة التنسيق تعني أنّ لبنان سيضع نفسَه في مواجهة الشعب السوري وكأنّه اتّخذ طرفاً في الصراع الحاصل داخل سوريا، ما سيؤدّي إلى انعكاسات خطِرة، خصوصاً في ظلّ وجود أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان. ولذلك يجب أن يحافظ لبنان الرسمي على سياسة النأي بالنفس، بمعزل عن حزب الله الذي قرّر استمرارَ القتال داخل سوريا».
ثالثاً، عودة التنسيق مع النظام السوري تعني وضعَ لبنان الرسمي في مواجهةٍ مع الشارع السنّي في لبنان وسوريا والعالم العربي، لأنّ الأزمة السورية تحوَّلت إلى صراع سنّي – شيعي، وليس من مصلحة لبنان إطلاقاً الانحياز إلى أيّ مِن الفئتين، لأنّ أيّ انحياز من هذا النوع سيُدخِل لبنان في صراع سنّي – شيعي يؤدّي إلى تجديد الحرب الأهلية وانهيار الدولة اللبنانية وتفكّكِها.
رابعاً، عودة التنسيق تعني أيضاً أنّ لبنان قرّر عن سابق تصوّر وتصميم قطعَ علاقتِه مع المملكة العربية السعودية التي تضع كلّ ثقلِها لإسقاط النظام السوري، ما سيؤدّي إلى زعزعة هذه العلاقة التي يُعتبَر لبنان أكثر المستفيدين منها، ليس فقط بسبب المليارات الأربعة التي خصّصَتها المملكة لأجل دعم الجيش اللبناني في مواجهته للإرهاب، بل أيضاً لأنّ الرياض هي عنوان استقرار في لبنان، خصوصاً أنّها أصبحَت اليوم المرجعية الأولى للسُنّة في لبنان والعالم العربي.
خامساً، عودة التنسيق تعني وكأنّ لبنان اتّخذ قرار الانضمام رسمياً إلى محور الممانعة، الأمر الذي يجعله في مواجهة مفتوحة مع المحور الآخر، ما يؤدّي إلى جَرّ الويلات على لبنان.
في المقلب الآخر، قال مصدر وزاريّ في 8 آذار لـ»الجمهورية» إنّ «لبنان وسوريا هما في معركة واحدة ضدّ الإرهاب، ولبنان لن يتمكّن من التخلص من داعش وأخواتها في حال لم ينسّق مع النظام السوري، إذ إنّ هذا التنسيق هو مصلحة لبنانية في الدرجة الأولى قبل أن تكون سوريّة، لأنّ التخَلّص من هذه المجموعات التي تتمدّد على حدوده وتهدّد السيادة اللبنانية بأخطار كبرى، لن ينجح إلّا من خلال التنسيق الوثيق الذي يؤدّي إلى تطويقها داخل كمّاشة لبنانية – سوريّة من أجل القضاء عليها. ويرى المصدر أنّ «في غياب التنسيق سيبقى خطر الإرهاب على الحدود اللبنانية، وبالتالي لا مجال إلّا من خلال ذلك التنسيق لمحاربة الإرهاب.
ويضيف: «تكمن مصلحة لبنان العليا في إعادة الاعتبار للتنسيق مع النظام الذي أثبتَت الأحداث أنّه كان على صواب، إذ إنّ المجتمع الدولي شكّلَ تحالفاً من أجل القضاء على هذا الإرهاب، وأصبحَت كلّ الدوَل الغربية على قناعةٍ بأنّ التخَلّص من عبء داعش يمرّ من خلال التنسيق مع النظام السوري».
وفي سياق متّصل، يقول مصدر وزاريّ وسَطي لـ»الجمهورية» إنّ «مصلحة لبنان هي في عدمِ التنسيق مع النظام السوري، والابتعاد عن الحريق السوري».
ويبقى السؤال: «هل ستنجح مساعي 8 آذار في جَرّ الحكومة للتنسيق مع النظام السوري؟»