بعد أن اقتربت تسمية المهندس سمير الخطيب لرئاسة الحكومة من التحقق واقعاً، وبعد شبه تزكية له من قبل السلطة السياسية وأركانها، دخل إسم الخطيب في دائرة الرفض من قبل شارع المنتفضين.
لم يتخذ هذا الرفض الحدة التي اتسمت بها تلك التي رافقت الاعتراض على إسم الوزير السابق محمد الصفدي مثلاً، لكنها أشّرت الى رفض مطلق من قبل الكثير من الثوار لكل ما يمت الى السلطة بصلة.
والواقع أنه بعد أيام من السكوت على مضض لدراسة الموضوع بتأنٍ، كان خلالها المنتفضون يعبرون عن رفضهم الحذر للخطيب عبر قنواتهم الخاصة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، خرج هؤلاء بقوة الى الشارع مطلقين صرخة في وجه المرشح الجديد لرئاسة الحكومة، إلا أنها تمثل في الاساس صرخة في وجه كل إسم يرى الحراك فيه ارتباطا بسلطة يرفضها أصلاً.
والواقع ان رفض الخطيب ليس شخصيا، وهو، إذ يلقى اعتراضا عارما في الشارع، إلا أنه غير حاصل على إجماع لدى الحراك، وإن كان الصوت المعترض عليه هو الأعلى، بينما يحتفظ البعض في الشارع بحذر تجاه إبداء رفض سريع لما ليس واضحاً حتى الآن من شكل للحكومة.
والحال ان الرأي الرافض قد عبّر عن نفسه ولا يزال بوسائل متعددة، شكل قطع الطرقات مرة جديدة إحداها، كما حصل في منطقة الرينغ. لكنها وسيلة باتت تستخدم بحكمة وبغير تهور، كما يشير المحتجون الذين يعتبرونها وسيلة شرعية في وجه التفاف السلطة على مطالبهم، ولكنها، في الوقت نفسه، وسيلة مؤقتة محددة الزمان والمكان، كونها تؤذي المواطنين في حال استمرارها طويلا، مثلما انها قد تؤدي الى صدامات وضحايا في الشوارع.
إخراج مُستفز
وقد شكلت طريقة تخريج أمر تولية الخطيب إعتراضات كبيرة لدى الشارع، إضافة الى الاستمرار في آلية المحاصصة وتقاسم الوزارات، رفضا عارما في الحراك بأكمله، وإن كان ثمة اختلاف حول طريقة التعاطي مع الأمر.
ويجب التوقف عند مسألة تشعب مجموعات الحراك ولامركزيتها، وقد شكلت تحركات الرينغ الأخيرة وأمام منزلي الخطيب في عين المريسة وتلة الخياط، أمثلة على عدم القدرة على التنبؤ بالمسار التصاعدي للاحتجاجات وطبيعتها، كون التحركات باتت سريعة وعفوية.
ولدى سؤال العميد المتقاعد جورج نادر، وهو أحد أكثر الأصوات ارتفاعاً احتجاجاً على القول برجحان تولي الخطيب رئاسة الحكومة، عن سبب التشدد بالرفض له قبل تشكل الحكومة، يجيب ببساطة: المكتوب يقرأ من عنوانه، لا نريد حريري آخر!
لدى المعترضين مآخذ على الخطيب. هم يحترمونه في الغالب كون لا دلائل على تورطه بالفساد كما يقولون، لكنهم يعتبرونه من إرث الحريري ويطرحون تساؤلات حول بعض أعماله، ليستخلصوا انه من إرث الحريرية، لا بل هو حريري بقناع كما يحلو للبعض تسميته!
يعترض كثيرون على محاصصة أفرزت إسم الخطيب، وخاصة من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، كون الأمر صُور لهم وكأن باسيل هو من وفَرّ الضوء الأخضر لتمرير الخطيب. لكنه هؤلاء، في المقابل، باتوا رفضيين الى درجة يسقطون عبرها في فخ عدم تقديم حل للبلاد التي تنأى تحت أزمات متلاحقة، وعدم طرح أسماء للتوصل الى تسوية عليها مع السلطة.
يسأل نادر رداً على سؤال حول العملية العبثية في استمرار رفض الأسماء التي تُطرح لرئاسة الحكومة: ألم يعد هناك في الطائفة السنية الغنية بالكفاءات من الأسماء النظيفة لترؤس الحكومة؟ «الواقع أن هذا الأمر يشكل إهانة للطائفة السنية الكريمة».
يختصر موقف نادر الصوت الطاغي في الحراك، والواقع أن المجموعات المتواجدة في الشارع لا يمكن جمعها تحت راية واحدة أو تحت عنوان مشترك في آلية التعاطي مع الامر المستجد، لكن الرأي الغالب بقوة هو الدعوة الى التغيير الجذري وإن عبر المؤسسات، بعد أن وقع البعض في هفوات الدعوات الى قلب النظام بأكمله دفعة واحدة، قبل أن يتراجع.
على أن ثمة موقفاً موحداً حول مطلب الحكومة الحيادية التي تضم أشخاصا من أصحاب الاختصاص نظيفي الكف والسمعة، ويتمتعون بالكفاءة، وهي صفات لا يراها الحراك بالخطيب.
الموقف الحذر من المرشح الجديد تحتفظ به أيضا مجموعات في الحراك، ذات قوة على الارض، لكنها تود انتظار شكل الحكومة قبل إبداء الرفض المطلق لها. وهي مجموعات تتجمع في إطار الحراك اليساري في الغالب، لا تريد مواجهة قبل انجلاء الأمور، ولعل أبرزها الحزب الشيوعي وحركة الشعب وغيرهما.. وقد بدا هذا الأمر في الأماكن التي يحتفظ فيها الشيوعي بحضور كبير كما في النبطية وصور في الجنوب على سبيل المثال.
وقد عبّرت شخصيات عدة في الحراك عن عدم رغبتها في التسرع في إبداء الموقف، وهي تسترجع كون الخطيب معروف انه متعهد مرتبط بجميع أركان السلطة الفاسدة وشريك بعضها في كثير من المشاريع، ما يطرح تساؤلات حوله كونه لا يوحي بالثقة التي يسعى إليها الحراك. لكن رفضه يجب ألا يتم بعجالة، ذلك انه يُفضل رؤية شكل الحكومة وهوية أعضاءها كون العمل الحكومي محكوم بالأداء الجماعي..
هي وجهة نظر لا يجمع عليها حرفيا جميع من يودون التأني في إبداء المعارضة للخطيب، وينتقد البعض «غوغائية» تشوب بعض التحركات لمجموعات في الحراك على الأرض، مع استمرار الرفض الشديد لمحاصصة تلوح في الأفق تجعل من مسألة اللحاق بعد فترة بموقف مهاجمي اختيار الخطيب، غالبا.
محرقة التوزير!
راجت مسألة توزير الحراك بقوة منذ استقالة الرئيس سعد الحريري، لكن تحول دونها اعتبارات عديدة لعلّ أولها رفض مجموعات الحراك نفسها لهذا التوزير. كما أن هذه المجموعات نفسها تبدو بكثرتها وتعدد شخصياتها عصيّة على الاختيار من بينها للتوزير. وتحضر أيضاً مسألة خشية أية شخصية من الظهور بمظهر «الخائن» للقضية التي نزل من أجلها الحراك الى الشارع.
على أن كل تلك المجموعات تجمع على أن تشكيل الحكومة المرجوة، ولو جاء كما يريد الحراك، لن ينهي التحرك على الأرض، وثمة لدى المجموعات المنتفضة رأي بالتحول عندها الى نوع من حكومة الظل لمراقبة أداء الحكومة، وهو حال أي وزير قد يتم اختياره من ضمن الحراك.. إذا ما توصلت البلاد الى الحل المرجو.. الذي يبقى بعيدا!