بعد أن تراكمت المشاريع التي أنجزت اللجان النيابية درسها، رأى رئيس مجلس النواب نبيه بري ان الحاجة قد أصبحت ملحة لفتح دورة استثنائية لمجلس النواب خصوصاً أن من بين ما أنجزت اللجان درسه ما يتعلق بمصالح الناس ويترقب الكثيرون إصداره. إلا أنه، كما يبدو حتى اليوم فإن فريقاً من أعضاء مجلس الوزراء الذي يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة يعارض إصدار مرسوم فتح الدورة الاستثنائية إلا بعد انتخاب رئيس الجمهورية الأصيل، وبذلك تكون «الحكومة ـ الرئيس» قد وقعت في الفخ الذي نصبته لنفسها عندما توافقت على ان يكون التصويت على القضايا التي تمارسها وكالة عن رئيس الجمهورية متخذة بالإجماع.
ومرسوم فتح دورة استثنائية للمجلس ليس مرسوماً إنشائياً كغيره من المراسيم، ومبرر إصداره هو ذاته المبرر الذي فرض على المشترع وضع المادة 62 ـ دستور التي أناط فيها صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة بمجلس الوزراء عند خلو سدة الرئاسة، وهو عدم جواز تعطيل صلاحيات المؤسسات.
صحيح أن هناك فارقاً بين «الخلو» و «التعطيل» الذي تبقى فيه المؤسسة قائمة، ولكن الوقوف عند ماهية فتح دورة استثنائية والغاية منها يزيل هذا الفارق. ففتح الدورة ليس صلاحية حصرية برئيس الجمهورية الذي لا يستطيع المبادرة إلى فتحها بمفرده بصرف النظر عن المتطلبات الدستورية الشكلية لإصدار المراسيم. والدليل ان الدعوة إلى العقود الاستثنائية تتطلب توافقاً مع رئيس الحكومة اولاً (المادة 33 ـ دستور) وهي ملزمة لرئيسي الجمهورية والحكومة معاً إذا ما طلبت الأكثرية المطلقة من النواب ذلك (33 ـ دستور). وتفتح تلقائياً ووجوباً حتى إذا لم تطلب الأكثرية النيابية ذلك. فالمجلس يصبح حكماً بدورة انعقاد استثنائية عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة (الفقرة 3 من المادة 69) وكذلك إذا لم يبت مجلس النواب نهائياً في مشروع الموازنة حتى آخر السنة، فرئيسا الجمهورية والحكومة يصبحان ملزمين و»فوراً بالدعوة لعقد استثنائي يستمر شهراً كاملاً». (المادة 86 ـ دستور).
إن هذه الصلاحيات التي تجيز أن يكون المجلس في دور انعقاد استثنائي لا يمكن اعتبارها بمثابة استثناء لقاعدة، فكل منها يشكل قاعدة بحد ذاته، فعندما تطلب الأكثرية النيابية فتح الدورة تصبح بحكم المفتوحة وهكذا في بقية الحالات.
وإيلاء صلاحية فتح الدورة لرئيسي الجمهورية والحكومة بعد توافقهما على افتتاحها لا يكون مزاجياً ومن دون أسباب موجبة لإصدار المرسوم، وينحصر ذلك بوجود مشروع أو قضية ما تتطلب مناقشة وإقراراً من مجلس النواب عندما لا يكون في دور انعقاد. وهذا أمر طبيعي وموجب أيضاً ولكن لماذا لا تجيز «الحكومة الرئيس» ممارسة مثل هذا الحق للنواب الذين يناقشون المشاريع ويتقدمون باقتراحات؟ إن الحكومة مطالبة بمعاملة المجلس بالمثل على الأقل.
إن العزوف عن فتح الدورة هو «خرق متقطع» لاستمرارية عمل المؤسسات ولا يمكن اعتباره خارج الصلاحيات التي تمنحها الوكالة عن رئيس الجمهورية بممارسة صلاحياته، لا بل هو في صلب تلك الوكالة باعتبار ان خلو سدة الرئاسة تتطلب أكثر من أي امر آخر ان تبقى المؤسسات الأخرى مستنفرة للقيام بدورها وليس ان تصبح مصابة بعدوى الخلو، خصوصاً أن الصلاحية الممنوحة للرئيسين ليست حصرية، فإذا لم تبادر الحكومة ـ إلى فتح الدورة فإن 17 آذار على الأبواب فهل يمكنها ان تعطل افتتاح الدورة العادية الأولى في ذلك اليوم؟
لذلك فإن ما يجري بالنسبة لفتح الدورة الاستثنائية لا يُعتبر إشكالية كبرى بنتائجه إنما يطرح مشكلة تبرز في الأساس في عدم قبول البعض الرافض لفتح الدورة لأنهم لا يطيقون تحويل صلاحيات دستورية من مؤسسة لمؤسسة حتى وإن كانت عملاً بأحكام الدستور. فالمعاملة بالمثل هي الأقوى، أفلم يحصل ذلك عندما اعتبرت الحكومة ان المجلس لا يستطيع التشريع عندما تكون الحكومة تصرِّف الاعمال؟ نعم إن قيمة الدساتير لا تظهر إلا من قيمة الرجال المعنيين بتطبيقها، والدفاع عن رئاسة الجمهورية بالحؤول دون افتتاح دورة استثنائية لمجلس النواب هو «تقزيم» لرئاسة البلاد وليس إعلاءً لشأنها!