قدم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في ذكرى عاشوراء عرضاً سياسياً اقليمياً شاملاً مدعماً بالاستعراض العسكري والشعبي أعاد فيه التأكيد ان الحزب هو سيد نفسه وهو صاحب القرار في ما خص الشأن الداخلي انطلاقاً من ان موقعه ازاء ايران هو “سادة عند حزب الولي الفقيه” قائلاً “نحن أسياد قرارنا وعند اميركا هناك عبيد اما نحن حزب ولاية الفقيه فنحن سادة لديه”. يكرر السيد نصرالله هذا الأمر في محاولة لدحض كل الانطباعات بان القرار المفتاح حول رئاسة الجمهورية هو في يد ايران. فمن باب المروحة الواسعة للحزب لجهة انه صاحب سياسة اقليمية عربية شاملة وفق ما يشرح في خطاباته متهماً هذه الدولة او تلك وليست مروحته فقط محلية، لا يعقل ألا يمسك الحزب بقرار يخص الوضع الداخلي. يحاول بعض المراقبين تلمس ما اذا كانت ايران ستفرج في لحظة قريبة عن الاستحقاقات اللبنانية من خلال ايلاء “حزب الله” المرجعية في هذا الشأن. لكن في الوقت نفسه لا يغيب عن اذهان هؤلاء انها ليست المرة الاولى التي يعلن فيها السيد نصرالله ذلك في مقابل أمرين يصر عليهما: الاول حض الخصوم السياسيين على التوجه لانتخاب العماد ميشال عون باعتباره “الممثل الحقيقي” للمسيحيين كما قال اخيراً، والثاني الاعلان عن تمسكه بالحوار. وفي النقطة الاخيرة يلقى الامين العام للحزب رد فعل ايجابياً في مقابل التساؤل اذا كان الحوار الذي يستمر يدعو اليه لا يفترض ان حواراً حقيقياً يمكن ان يجري بحيث يتم التباحث تمهيدا لتنازل من هنا او من هناك من اجل الوصول الى جامع مشترك. هذا هو مبدأ الحوار الذي ذهبت اليه طهران من اجل العمل على انهاء العقوبات الدولية عليها لقاء تنازلات قدمتها في ملفها النووي. وهذا هو مبدأ الحوار الذي تذهب اليه القوى الدولية والاقليمية حول سوريا. وحتى الآن، افسحت وتفسح المدة الفاصلة بين كل جولة من جولات الحوار التي تجري بين تيار المستقبل و”حزب الله” والتي تخطى عددها العشرين المجال امام تصعيد يتبادله الطرفان بحيث يبدو الحوار في كل مرة مهدداً الى ان يعلن المتحاورون ان لا بديل من الحوار ويجلسوا مجدداً معاً فيعاد اجراء جردة بالمواقف والتصريحات يشعر معها اللبنانيون ان كل جلسة من جلسات الحوار انما تعود بالمتحاورين الى المربع الاول من دون اي تقدم مرجو بين الجانبين. وهذا ما يعطي الانطباع بان الحوار وان ساعد في منع الانزلاق الى الفتنة، فإنما هذه هي وظيفته الوحيدة التي تحتاج الى مصل مع كل جلسة.
اصرار الأمين العام للحزب على سيادة الحزب في موقعه وعلى قراره يسمح بالتساؤل اذا لم يحن الوقت بعد لان يثبت ان المفتاح في يد اللبنانيين. فبعد سنة ونصف السنة من تعطيل الانتخابات الرئاسية تحت عنوان وحيد هو الاصرار على التمسك بالعماد عون، بلغ اليأس حتى حلفاء للحزب تفيد معلومات انهم ابلغوه “انها لو كانت ستمطر لكانت غيّمت” على الاقل في ما خص انتخاب المرشح الذي يتمسك به الحزب مع ضرورة الذهاب الى مرشح آخر يمكن ان يلقى ردود فعل افضل. وهو أمر افادت المعلومات بان الأمين العام للحزب رفضه لحلفائه بذريعة ان الآخرين غير صادقين في وعودهم. فليمتحن الحزب خصومه على طاولة الحوار الثنائية او الجماعية عن استقلالية قرارهم في موضوع انتخابات الرئاسة وسواها من خلال ابداء الاستعداد للحوار الفعلي الذي سيتطلب منه التدخل مع حليفه او ارسال الاشارات الواضحة اليه، الاكثر وضوحاً على الارجح من عبارة ان العماد عون هو ممر الزامي التي رفض الحزب تفسيرها كما فهمها الجميع على انها تحول في موقف الحزب. وليس من شك بأن الحزب يعرف جيداً كيفية التفاوض ويملك اوراقاً تسمح له بتحقيق مكاسب، لكن كرة التعطيل ستبقى في ملعب ايران ولو حاول ان يأخذ عنها المسؤولية بالاعلان ان الحزب يمسك ورقة الاستحقاقات الداخلية. فاذا لم يلعب هذه الورقة في الداخل وفق ما يفترض ذلك، فمن الصعب الا يتوجه الخارج الى ايران من اجل الضغط على حلفائها في لبنان اكان الحزب او العماد عون من اجل الافراج عن الانتخابات الرئاسية كما حصل بالنسبة الى تأليف الحكومة التي قال وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ان ايران تولت المسألة فيها. فليذهب الحزب على الأقل الى طرح افتراضات على طاولة الحوار من اجل ان يرصد كيفية تجاوب خصومه معها عله يفتح ثغرة من اجل المساعدة في انقاذ البلد الذي يراه مشرفاً على الانهيار.
يروي احد السياسيين انه قال مرة للسفير الايراني في لبنان ان مسألة استمرار ايران بالتهديد برمي اسرائيل في البحر تسيء الى ايران أكثر مما تخدمها. فإذا كانت ايران قادرة ومستعدة لذلك، فلترم اسرائيل في البحر وتحصد ما يمكن ان تحصده من تقدير في كل العالم العربي.
وتالياً ما خلا احراز الذهاب الى اقران الاقوال بالافعال، فإن حملة السيد نصرالله لا تعدو كونها صفحة من تلك التي وصفها هو نفسه بالاتهامات التي يتبادلها الفريقان من دون ان يتقدم احد في اتجاه الاخر مع محاولة تبييض صفحة حزبه ضد خصومه.