Site icon IMLebanon

لماذا عجز “حزب الله” عن ضبط الخلاف بين الرابية وعين التينة؟

لماذا عجزت حتى الان كل الجهود التي بذلها حزب الله بغية اعادة الامور الى نصابها الطبيعي في العلاقة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون؟ واستطرادا لماذا قصرت هذه الجهود عن الحؤول دون تدهور اضافي في هذه العلاقة الملتبسة اصلا ؟

هذا السؤال تتداوله منذ الاسبوع الماضي العديد من دوائر القرار والرصد في قوى 8 آذار في أعقاب بروز محطتين سياسيتين اساسيتين:

الاولى: أبعاد كلام الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في احتفال وادي الحجير، والذي اطلق فيه بحدة غير مسبوقة معادلة: “ممنوع كسر العماد ميشال عون”، اذ وجدوا في طياته رسالة موجهة مباشرة الى الخصوم بالدرجة الاولى، وغير مباشرة الى بعض الحلفاء وعلى وجه التحديد الرئيس بري، ولاسيما ان أوساطاً سياسية عليمة في 8 آذار تعتبر ان وقوف بري طوال الشهرين الماضيين في صف المناهضين لعون وتوجهاته ومطالبه قد الحق كمّاً من الأذى بالجنرال وحراكه لم تستطع حتى قوى 14 آذار ان تضاهيه فيه.

ومما عزّز هذا الاعتقاد الكلام “الملحق” الذي اطلقه نصرالله عن ان عون كان ولا يزال وسيظل مرشح الحزب للرئاسة الأولى ليزيل التباساً سمح بتأويلات وتفسيرات شتى اطلقت على أساس كلام السيد الذي اعتبر عون ممراً الزامياً لانتخابات الرئاسة الاولى، خصوصاً ان البعض ذهب في تأويلاته الى حد اعتبار الكلام إياه تخلياً عن حصرية ترشيح عون للرئاسة الاولى.

المحطة الثانية كلام اطلقه الرئيس بري في مطلع الاسبوع وفحواه انه ما زال مستنكفاً عن اية مبادرات للتسوية والحل على نحو يخرج الجميع من أزمتهم، وانه يتعاطى بسلبية مع كل عروض الحل والتسوية التي قدمت ومنها مبادرة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم.

الى ذلك، كان لافتاً ان يكرر بري مقولة انه يرفض التصويت لمن يشكك في شرعيته وبشرعية المجلس النيابي الذي يرأسه، فهذا الكلام يستبطن رفضاً للتبريرات التي قدمها عون وأركان كتلته عن الفارق بين الشرعي والقانوني.

وقد أعلن بري في صراحة اشتراط العماد عون وضع بندي التجنيس وقانون الانتخاب على جدول أعمال جلسة التشريع للضرورة التي يتم البحث عن سبل عقدها بإلحاح من بري.

وفي اشارة ذات ابعاد ودلالات في اللحظة الراهنة بادرت عين التينة الى استضافة لقاء بعيد من الاعلام جمع، الى بري، رئيس كتلة “المستقبل” النيابية فؤاد السنيورة ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط.

والذين ربطوا بين كل هذه المعطيات والوقائع المتتالية يخرجون حزمة استنتاجات أبرزها:

– ان المشهد المعقد الذي فرض نفسه بعد “الانتفاضة العونية” ورفض المعنيين التحاور مع عون ما زال ماثلاً، وان كل ما بني على امكان انطلاق مبادرات للحل قد تبدد.

– ان العلاقة بين الرابية وعين التينة ما برحت على الوتيرة نفسها من التعقيد، فضلاً عن انها قابلة لمزيد من التوتير والتحول الى كباش حقيقي مباشر اشبه ما يكون بكباش الأخصام وليس بتباينات الحلفاء وأبناء التوجه الواحد.

– ان ثمة بوادر خلاف صامت يدور بين الحليفين التاريخيين، اي الرئيس بري و”حزب الله”، على خلفية نظرة الاول الى الحراك العوني وعدم تجاوبه مع جهود الحزب لرأب الصدع.

وحيال ذلك ثمة من يسأل عن أسباب ضياع محاولات الحزب لرأب الصدع خلافاً للمرات الماضية اذ كانت هذه الجهود تنجح ولو بشق النفس في تضييق شقة الخلاف بين الطرفين؟

في أوساط 8 آذار ثمة من يسارع الى اعطاء اجابة مكثفة فحواها ان بري قد ولج مرحلة التحلل العلني من مترتبات العلاقة التحالفية مع عون بما فيها مسألة كونه مرشحاً حصرياً لفريق 8 آذار للرئاسة الاولى، لذا كانت رسالته مزدوجة الى الطرفين المعنيين، اي عون والحزب، ومشحونة بدرجة عالية من التوتر والصراحة.

صحيح ما يقوله البعض من ان رئيس المجلس لم يقل سوى مرة يتيمة إن عون هو مرشح فريقه للرئاسة، وأتى هذا القول، عرضياً وخجولاً، الا ان بري كان في الاسابيع الثلاثة الماضية على درجة من الجرأة والصراحة ليبعث الى المعنيين ما مفاده انه صار في حل من هذا الترشيح، وبالتالي آن الأوان للذهاب الى خيارات أخرى.

ويعزو هؤلاء المسألة الى اعتبارات عدة بعضها قديم وبعضها محدث أبرزها:

– ان بري من الأساس لم يكن “قابضاً” مسألة عون مرشحاً حصرياً للرئاسة لسببين أساسيين: الاول التباين بين الشخصين في الرؤية حيال الكثير من القضايا والملفات، والثاني ان مصلحة بري العميقة والمضمونة هي مع رئيس توافقي، وعليه لبري وفق المقربين مرشحان لا ثالث لهما وليس بينهما زعيم التيار البرتقالي.

– ان بري يجد ان الفرصة المطلوبة منه لدعم ترشيح عون قد استنفدت، وتالياً صار بامكانه ابلاغ المعنيين وفي مقدمهم الحزب انه لم يعد قادراً على المضي قدماً ضمن قواعد اللعبة السابقة والتي بدأت بعد شغور كرسي الرئاسة الاولى.

– ان بري أبلغ من يعنيهم الأمر ان عون أخطأ مراراً وانه لم يسلّفه شيئاً يذكر بل بالعكس ثمة اكثر من تجربة يتحدث عنها بري فحواها ان عون تعهد أمامه بأمر وان اعوانه سلكوا اتجاهاً مناقضاً.

– في الأبعد ان بري صار في نظر بعض عارفيه الشخص الأكثر براغماتية، وتخلى عن نهج دفع الاثمان الباهظة في سبيل الخيارات الكبرى، لذا فهو لا يخفي على سبيل المثال انه سبق له أن تجرع قسراً كأس انتخاب العماد اميل لحود للرئاسة الاولى فتضررت طوال ولايته (9 أعوام) مصالحه الى أقصى الحدود، لذا فهو ليس الآن في وارد تكرار التجربة.

ماذا عن تأثير كل ذلك على علاقته بالحزب؟

ان بري ومنذ الخروج السوري من لبنان، اتقن لعبة الرقص على الهوامش في علاقته بالحزب، فهو يعرف الحدود الاستراتيجية ويعرف مسارح التكتيك، ويعرف أولاً وأخيراً ان الحزب يرضى بواقع الأمر.

وبالاجمال تتصف حسابات بري في كل الأمور بالبراغماتية، فإعلامه المتواضع مفتوح دائماً لمصلحة النظام السوري، ولكنه يبدو مرتاحاً للاطراء الدائم الذي يأتيه من جانب الرياض، وهو في الداخل يبقي على خطوط التواصل مع “تيار المستقبل” والنائب جنبلاط.

كل تلك الوقائع معروفة من زمن، لكن في حسابات بري انه آن الأوان لابرازها أكثر أمام الاضواء عبر فتح الأبواب للحديث عن الرئيس التوافقي. واذا كان حليفه “حزب الله” صاحب الحسابات التي تتعدى الواقع اللبناني، فبري صار من زمن كيانياً “بامتياز”.