.. ولان القصة، قصة سياسية، وقضية عضّ اصابع، وعملية تثبيت من له الكلمة الفصل في لبنان، وليس قصة حقائب وزارية ومستوزرين، بل هي مرحلة تتجمع فيها الخلافات الاستراتيجية في سماء لبنان، بين مجموعة وضعت خلافاتها جانباً، وقررت العمل سوّية، وبذل الجهد من اجل استعادة الدولة وتقويتها، ومدّ الايدي وتعزيز العيش المشترك، وانقاذ الاقتصاد وتأمين الاجواء المساعدة على ذلك، ومحاربة الفساد، ومجموعة اخرى، تسعى جاهدة، لضرب التفاهم بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، بذات الطريقة التي اعتمدها الرئيس الاسبق اميل لحود، لافشال مصالحة الجبل بين البطريرك التاريخي نصرالله صفير والنائب وليد جنبلاط، بحيث لا يمرّ يوم دون هجوم من نائب 8 آذاري او وسيلة اعلامية مرتهنة له، على هذا التفاهم يحملانه مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، او العمل على حرف العهد عن تحالفاته السابقة، واخذه الى العالم العربي، وابعاد دمشق عنه، وتقريب الرياض منه، واقامة حلف ثنائي مسيحي – سنيّ، في وجه الشيعة، كل ذلك لان حزب القوات لم يتنازل عن حقيبة الاشغال، بعدما تنازل عن الحقيبة السيادية، ولانه يطالب بأن يتمثل في الحكومة وفق حجمه الشعبي والنيابي، وهو الذي كان خارج الحكم طوال سنوات، وهم كانوا في الحكم لعقود ولم ينتجوا سوى الفساد.
… ولان اللسان يكشف احياناً النيّات الحقيقية، جاء اقتراح الرئيس نبيه برّي العجيب الفريد من نوعه، باعطائه وسليمان فرنجية حقيبتي الاشغال والتربية، وهما يقرران، بعيداً من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، لمن تذهب كل منهما، في نيّة مضمرة لتقليص صلاحيات كل من الرئيس عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، وخلق سابقة تتحوّل الى عرف، مثل تكريس حقيبة المال للطائفة الشيعية الكريمة، لانه منذ 27 سنة طرح هذا الموضوع في الطائف دون التوصل الى نتيجة ودون ادراجه في دستور الطائف، كما ان النائب حسن فضل الله استهجن المماطلة «الحالية» والسابقة في انجاز قانون الانتخاب، وكأنه يحمّل المسؤولية في كلمة «الحالية» لرئيس الجمهورية وبعده للرئيس المكلّف، كما انه يدعو الى الاسراع في تشكيل الحكومة، في حين ان ولادة الحكومة، تنتظر ان يفكّ اسرها حليفاه، الرئيس برّي والنائب فرنجية، مع الاشارة الى ان هناك عودة مشبوهة يجري الحديث عنها حالياً، لتوسيع الحكومة من 24 وزيراً الى 30 وزيراً، بحجة ان حكومة الوحدة الوطنية تتطلب اشراك الجميع، وحكومة الـ24 حقيبة لا تتسع للجميع، ومن المرجحّ ان يكون الكلام عن توسيع الحكومة، رداً على اخبار تشير الى امكان ان يلجأ الرئيس المكلّف، في حال استعصت عليه الحلول في الحكومة السياسية، الى طرح تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرّة، مهمتها الاساسية وضع قانون جديد للانتخابات، والاشراف على الانتخابات، ووقف الهدر، ومعالجة الوضع الاقتصادي.
***
لم يعدّ سراً ان دق اسفين في تفاهم حزبي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، اصبح هدفاً مقدساً تعمل عليه قوى 8 آذار بجميع الوسائل المتاحة امامها، وحتى ولو تم التفاهم على الحقائب فان هذا الموضوع سيبقى في اولوية خط «الممانعة والصمود» لان ترسيخ هذا التفاهم وتطويره واستيعاب احزاب وشخصيات مسيحية وغير مسيحية، من شأنه ان يخلق حالة سيادية شعبية واسعة، سوف تغيّر استراتيجياً في مستقبل لبنان، القويّ بجيشه وقواه الامنية، وباقتصاده، وبعلاقاته العربية والدولية القائمة على تحييد لبنان عن مشاكل المنطقة والجوار، والعودة الى لعب دور الاطفائي بين الدول العربية، وهو الدور الذي لعبه لبنان بجدارة، قبل ان يجتاحه السلاح الفلسطيني وغير الفلسطيني ويجرّ اللبنانيين الى حرب مدمّرة.
في المقابل، تؤكد مصادر في الحزبين، ان التفاهم الذي أراح الساحتين المسيحية والوطنية لم يعد ملك الحزبين بل اصبح ملك الشعب اللبناني المشتاق الى السلام والامن والاستقرار. ولن يتم التفريط به.