من الطبيعي والبديهيات ان يشغل الحدث التاريخي الذي جرت وقائعه في معراب حيث مقرّ حزب القوات اللبنانية ومنزل رئيسه الدكتور سمير جعجع، اهتمام اللبنانيين في الوطن والمهاجر، واهتمام الاوساط السياسية والاعلامية والديبلوماسية، خصوصاً ان زيارة العماد ميشال عون الاولى الى العرين القواتي أثمرت سريعاً، باعلان جعجع باسمه واسم حزبه تأييد ترشيح عون الى رئاسة الجمهورية، ليس من باب ردّة الفعل، ولا من باب موقف طائفي او مذهبي، بل من بوّابة «إعلان النيّات» الذي تم التفاهم عليه بين حزبي القوات اللبنانية والتيار الوطني في 2 نيسان 2015 والذي كان بحدّ ذاته خريطة طريق الى تعاون اكثر رحابة، يصل الى حافة التحالف بين الحزبين الأوسع تمثيلاً للمسيحيين في لبنان، واعلان النيّات هذا المتضمن عشرة بنود وطنية وسيادية وسياسية، هو الحافز الأساس لترشيح العماد عون وليس غيره من بين مرشحي 8 آذار، بعدما اهدى رئيس تيار المستقبل سعد الحريري منصب الرئاسة الاولى الى قوى 8 آذار، مرتين متواليتين، الاولى عند لقائه العماد عون، والثانية عند الترشيح غير المكتمل للنائب سليمان فرنجية، بما يعني ان خيار ترشيح عون من قبل جعجع انما أتى بعد المفاضلة بين عون وفرنجية، فرجحت كفّة عون كثيراً للأسباب الآتية:
اولاً: لم يعد ممكناً كسر الجمود والفراغ القاتلين اللذين يشلاّن الدولة ومؤسساتها والانطلاق بترميم لبنان، سوى بانتخاب رئيس للجمهورية بسرعة، وهذا الأمر متوافر أكثر بانتخاب عون.
ثانياً: هناك اعلان نيّات حاضراً وجاهزاً ومتوازناً تم التوافق عليه ويصلح لأن يكون برنامجاً رئاسياً ليس لعون وحسب، بل لجعجع ايضاً اذا كان هو المرشح، لما يضم من بنود سيادية ووطنية وافكار انقاذية.
ثالثاً: سبق لعون وجعجع وتحالفا في 15 كانون الثاني 1986 على اسقاط الحلف الثلاثي الذي طبخ في دمشق، كما تحالفا بعد سنتين على اسقاط تفاهم مورفي – الأسد، حول ترئيس النائب السابق مخايل ضاهر.
رابعاً: خاض شباب القوات اللبنانية والتيار العوني مواجهات قاسية ضد الوصاية السورية على لبنان، وقاطع الحزبان معاً الانتخابات النيابية في العام 1982.
خامساً: شارك العونيون جنباً الى جنب مع القواتيين في انتفاضة 14 آذار 2005، بحشد مسيحي لافت مع باقي الاحزاب والشخصيات.
سادساً: كان للعونيين دور في اجتماعات قرنة شهوان، حتى ولو كان قصيراً.
سابعاً: اول زيارة لعون بعد عودته من المنفى كانت لجعجع في معتقله في وزارة الدفاع، حيث اعلن بعدها ان خصومتهما اصبحت من الماضي وطالب باطلاق جعجع فوراً.
هذه المحطات لم تغب عن البحث والمراجعة وكانت نقاطاً ايجابية لمصلحة عون تضاف الى «اعلان النيّات» والى رغبة متزايدة لدى جعجع في بحثه مع اصدقائه الاعلاميين ومع قيادات حزبه عن اي سبيل متاح لكسر حلقة الفراغ التي تكاد تخنق لبنان، وقد يكون طرح اسم سليمان فرنجية كمرشح بديل عن عون ساعد جعجع في اخذ خيار عون، طالما ان الرئاسة الاولى اصبحت من نصيب 8 آذار.
* * * *
هذه التفاصيل ضرورية للاضاءة على الدوافع التي اوصلت جعجع ليس الى ترشيح عون فحسب، بل للتعاون معه في المستقبل، على بناء وطن على قواعد صحيحة وسليمة ونظيفة مع جميع المكوّنات الطائفية والسياسية، وحمايته في هذه الظروف الصعبة من التداعيات السيئة المحتملة للحروب والاحداث التي تدور قربنا واحياناً داخل بيتنا، ولذلك فان على المعنيين مباشرة بالاستحقاق الرئاسي، ان يأخذوا في الاعتبار هذه اللحظة التاريخية المتاحة «لحرق اوراق الماضي السوداء» كما قال عون في معراب، واخذ التقاء جعجع – عون، بهذه النيّة، بدلاً من التشكيك احياناً والدسّ احياناً اخرى، حسبما طلعت بعض وسائل الاعلام صباح امس، ولم تجد شيئاً صالحاً في ما حصل، بل كان التحريض وقلب الحقائق وتشويه المواقف، العنوان الابرز لاحقادها.
اما بالنسبة الى اصحاب النيّات الحسنة الذين يخافون من تداعيات فشل التفاهم بين عون وجعجع، قياساً على ما كان يحصل في الماضي، فعلى هؤلاء ان يؤمنوا بأن الخير ما زال موجوداً عند البشر، وان ظروف اليوم هي غيرها ظروف الماضي، وان التفاهمات تتم في وضح الشمس وامام الملايين، وليس بالسرّ او التسريب غير الصحيح، وان لا خوف على المستقبل طالما كان محمياً بتقارب جميع اللبنانيين، خصوصاً ان تفاهم عون – جعجع، قد اعطى هيبة وزخماً للوجود المسيحي السياسي والشعبي، وكلّما انضمّ اليه شخصيات واحزاب مسيحية، كلما زادت فاعليته وطنياً ولبنانياً بالتعاون الوثيق مع الشريك الثاني في الوطن من ضمن قواعد وثوابت تريح الكلّ وتحفظ حقوق الكلّ.