Site icon IMLebanon

لماذا كانت الأمور ميسّرة قبل الانتخابات وتعثّرت بعدها؟

 

حال السياسة في البلد هذا الصيف كمن أمضى وقتاً طويلاً يبحث عن مفاتيحه، بلا طائل، حتى لم يعد يعرف ما الذي يبحث عنه، من شدّة الدوران حول الأشياء نفسها.

 

لا يعني هذا أن “العقبات” التي تعترض المضي في تشكيل الحكومة مبهمة أو مجهولة. أبداً. معلومة وأكثر، ونكررها صبحاً ومساء، من دون أن يفلح هذا التكرار، حتى الآن، في تذليل هذه العقبات.

 

هذا عن الدوران حول الأشياء نفسها، وعلى نحو محموم. أما بالنسبة لتضييع الغرض من البحث، فيتصل بأننا، حقيقة، ما عدنا نعرف، لماذا كانت طريق التشكيل الحكومي ميسّرة قبل أقل من عامين، وصارت أمامها عراقيل لا تتزحزح اليوم، مع أن التوازنات الداخلية تقريباً هي هي منذ عامين، وكذلك ميزان القوى الاقليمية. المراوحة “المتخبطة” سيدة الميدان في كل مكان حولنا. اذا، ما المشكلة؟ ما الذي يجعلها ممتنعة اليوم وميسرة بالأمس، دون ان يكون هناك من تبدلات شاملة بين الامس واليوم، وعلى الرغم من انه يسود الاتفاق ان نفس الاطراف التي انضوت في تشكيلة الحكومة التي لا تزال تصرّف الاعمال اليوم هي نفسها الاطراف التي ستتشكّل منها الحكومة العتيدة، لا زيادة في هذا ولا نقصان؟

 

هل نبحث والحال هذه عن إدامة التسوية التي كانت مزدوجة، رئاسية وحكومية، قبل عامين، آخذين بعين الاعتبار نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وطبيعة التحديات الراهنة والوشيكة والراجحة، ومرتكزين الى “مكمّل” هذه التسوية المتمثل بمفهوم النأي، الذي نجح، الى حد معين، لكن الى حد ملحوظ، في التخفيف من الخطاب التدخلي بشؤون دول الخليج من طرف “حزب الله”، وأظهر في الخريف الماضي، وجود تقاطع قوي، على اختلاف وتباين المواقع، يهمّه ان لا يعطى المجال للفراغ والتعطيل؟

 

ماذا لو كان البحث غرضه غير ذلك، بل نقيضه؟ وماذا سيعنيه ذلك بالتحديد؟ العودة الى الصفر بالنسبة الى التفاهمات الموجودة؟ ما يهيمن على الرؤية حتى الآن ليس هذا بشكل واضح، وإنما مجموعة من المحاولات لاستباق جملة أمور، يعلم الجميع ان لا حل لها او معالجة، قبل تشكيل الحكومة، ومع هذا يُراد اثارتها بداعي العرقلة ومحاصرة نية التشكيل.

 

يوماً بعد يوم تزداد القناعة لدى عموم الجمهور اللبناني المراقب لأزمة التشكيل، بأن ما نعاينه هو جزء من أزمنة أكثر شمولية، أزمة نظام بشكل عام. وليس هذا الشعور المتنامي بخاطىء أبداً. بالعكس، لكن، ما الجديد الحالي بالنسبة الى أزمة النظام التي هي ليست بنت هذه اللحظة؟

 

هل العراقيل موضوعة كي لا تكون هناك حكومة في أمد منظور، أم أن الخلاف محصور في تغليب معلم من معالم التشكيل على معلم آخر؟ قد يفترق المراقبون في الاجابة، لكنها ليست المرة الاولى الذي يتداخل فيها “التعطيل بداعي تغليب شرط ما” أو مع “التعطيل مطلوباً بذاته” بداعي إحداث تأثير نوعي على التركيبة السياسية ككل، وجعلها مطواعة أكثر لمنطق “اجتزاء الدولة” واستنسابها.

 

ليس قليلاً أن يحدث استعصاء التشكيل هذه المرة في اعقاب انتخابات، كان تنظيمها مؤجلاً طيلة الخمس سنوات السابقة، فيما كانت الحكومات متوفرة طيلة هذه المدة، ورئاسة الدولة شاغرة لعامين ونصف العام منها. فالانتخابات يُفترض فيها، بأقل تقدير، ان تُسهّل تشكيل الحكومات من بعدها، وأن تحدث الصعوبات فقط بعد ذلك، حين يلزم تشكيل حكومة على مسافة زمنية معقولة من آخر استحقاق انتخابي وليس العكس. ان يستعصي التشكيل بعد انتخابات، وأن لا يكون نظامنا الدستوري بالأساس قائماً على إعادة إجراء الانتخابات بشكل مبكر في هذه الحالة، أسوة بما هو معتمد في معظم الديموقراطيات البرلمانية عندها، فهذا ما يُدخلنا في مشكلة جدية. أزمة نظام؟ بل قل أزمة نظام وأزمة عدم توفر أي بديل عنه، وأي مدخل لإصلاحه، بل هي أزمة نظام تحمي وتحتمي بالمشروع الفئوي العضوي بمنظومة الممانعة التي تقودها ايران، بمثل ما تحمي وتحتمي بعدم قدرة كل الذين تلاقوا يوم 14 آذار 2005 من رسم منهاج واضح وحاسم ونهائي، لصالح المنطق الدستوري الدائم.