مَن قرأ بتمعّن طعنَ الحزب «التقدمي الاشتراكي» بمرسوم التجنيس امام مجلس شورى الدولة ما كان عليه أن يُفاجَأ بالحملة التي شنّها رئيسُه وليد جنبلاط على العهد. فقد ابتعد الحزب عن «شريكيه» الكتائب و«القوات اللبنانية» ليشكّك بصلاحيّة رئيس الجمهورية في إصدار المرسوم عدا عن مضمونه، ولذلك فقد جاءت الحملةُ مكمِّلةً للطعن؟ فما الرابط بين هذه الخطوات؟
بعيداً من الأسباب التي استند اليها الحزب التقدمي في الطعن الذي قدّمه فريقُه القانوني لمجلس شورى الدولة في 14 الجاري، وكذلك في الحملة العنيفة التي أطلقها جنبلاط من النروج حيث يمضي عطلةً عائليةً، تبقى الإشارةُ ضرورية الى أنّ مَن فوجِئ بمضمون الطعن ليس «حليفاه» فهما كانا على علم بتوجّه الفريق القانوني ليس للطعن بمرسوم التجنيس ومخالفته القوانين المرعيّة الإجراء في منح الجنسية لطالبها سواءٌ كان من أصل لبناني أو من أيِّ جنسيّة بل «بحقّ الرئيس في إصدار المرسوم».
ولا يخفى على العارفين بكثير من التفاصيل أنّ المسؤولين في الفريق القانوني الإشتراكي أبلغوا الى محامي الكتائب و»القوات اللبنانية» صراحة وقبل الشروع بخطوتهم التي ظهر أنها «منفردة» من جانب واحد كما رآها البعض، أو كأنها خروجٌ على التفاهم مع الشريكين بعدما قرّروا معاً التقدّم بطلب الحصول على نسخة أصلية من المرسوم أو نشره ليتسنّى لهم البحث في الخطوات التي تلي تلك الخطوة بما فيها التقدّم بالطعن.
لكن ما حصل بالفعل أنّ الفريق الإشتراكي عبّر صراحة في لحظة من اللحظات عن أنه يرغب بالتركيز في طعنه على «سقوط صلاحيات» رئيس الجمهورية في إصدار ايّ مرسوم من هذا النوع. وهو ما لم يستسِغه محامو الفريقين البتة فانفرد الحزب التقدمي بالخطوة وذهب الى الطعن المبكر منفرداً فيما يستعدّ الفريقان الآخران للخطوات التي يريانها مناسِبة، مع التأكيد مسبقاً أنّ أيَّ طعن يمكن أن يتقدّما به منفردَين أو بالشراكة القانونية بينهما لا يمكن أن يمسّ أو يطاول ما تبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية بعد»إتفاق الطائف» وهي من النقاط المحدّدة التي بقيت له الكلمة الفصل فيها. علماً أنّ الكتائب تنتظر تقريرَ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في شأن «تنظيف» المرسوم، وعندها قد تنتفي مبرّراتُ الطعن.
ولذلك، فإنّ الكتائب و»القوات» مقتنعان بأنّ الخطوة هي من صلب الصلاحيات المتبقية لرئيس الجمهورية، وأنّ التفسير الجنبلاطي للخطوة لم يقنعهما اطلاقاً وهم يركّزون في الطعن من زوايا مختلفة تطاول المرسوم في مضمونه وليس في الشكل والتوقيت، وما شكّل منح الجنسية وتحديداً للعائلات والشخصيات السورية والفلسطينية، وربما الإيرانية، او من جنسيات أخرى، من خطورة إن ثبت أنهم يخضعون لعقوبات اميركية او خليجية او دولية واممية ويحاولون من خلال نيلهم الجنسية التهرّب منها والإلتفاف عليها وهو ما سيشكل بالنتيجة خطراً داهماً على مصالح لبنان واللبنانيين وعلاقاتهم الدولية بالمؤسسات والدول التي اتّخذت او تنفّذ هذه العقوبات والتي التزم بها لبنان بنظامه القضائي والمصرفي والقاتوني وبكل موجباتها. ذلك انه ليس في إستطاعة لبنان تجاهلها أو العصيان أو التمنّع عن تنفيذها مخافة بلوغ المرحلة التي لا يمكن فيها معالجة النتائج الخطيرة المترتّبة على اقوى القطاعات الحامية لوجود الدولة وقوتها وحضورها بين الأمم والتي ما زالت تحمي الكيان وتشكل العناصر الضامنة لكل أشكال الإستقرار الإقتصادي والمالي والأمني والإجتماعي الدولي للبنان.
لكن ما شغل بال المراقبين أن يكون التقدّمي ومن خلال هذه الخطوة التي قادته الى التشكيك بصلاحيات الرئيس، أن يكون له شريك آخر من أهل الحكم أو الحكومة ينوي الوصول الى هذه المرحلة في المواجهة مع رئيس الجمهورية تمهيداً لسحب ما ما تبقّى له من صلاحيات.
ولكن لم يطل الوقت لينال المشكّكون أجوبة فاصلة في هذا الموضوع بعد التعمّق في البحث عن كثير من التفاصيل وردات الفعل على موقف الإشتراكي فلم يجدوا له شريكاً من أهل الحكم. فدفاع رئيس الحكومة عن المرسوم واعتباره من صلب صلاحيات رئيس الجمهورية لم يكن بهدف إبعادَ السهام التي يمكن أن تطاوله فحسب، فهو ممَّن وقّعوا المرسوم ويتحمّل المسؤولية مع رئيس الجمهورية. وزد على ذلك، إذا ما ثبت أنّ من بين الذين اختارهم هو ومعه وزير الداخلية لمنحهم الجنسية من ضمن المرسوم نفسه يمكن أن يكونوا من غير مستحقيها سيكون شريكاً كاملاً في تحمّل المسؤولية، وإن لم تطاوله الإنتقادات فهي على الطريق عند الإنتهاء من التحقيق الذي يجريه الأمن العام قريباً. ولكن على ما يبدو أنّ رئيس الحكومة مقتنعٌ أنّ هذه الصلاحية ما زالت لرئيس الجمهورية وأنّ النقاش في هذا المنحى مجرد «جدل بيزنطي» لا مقوّمات تدعمه على الإطلاق، ولا وجود لأيِّ سببٍ يمكن أن يؤدي اليه.
وفي عين التينة ثبت ايضاً أن لا تشكيك لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري بهذه الصلاحيات التي بقيت لرئيس الجمهورية وبحقه في اصدار هذه المراسيم، ولكنه لم يخفِ امتعاضه من تجاهله في هذا المرسوم وهو ما زال حتى الأمس القريب يخوض حرباً شرسة للإحتفاظ بحقيبة وزارة المال ليبقى له ما يُسمّى «التوقيع الرابع» على أيِّ مرسوم من خلال فرض توقيع وزير المال على أيٍّ منها الى جانب كل من الوزير المختص ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية وخصوصاً المراسيم التي ترتّب أيَّ اعباء مالية على الخزينة العامة، سواءٌ إن خرجت منها او دخلت اليها فسيان. أضف الى ذلك فإنّ رئيس المجلس توافق ورئيس الجمهورية على التحضير لمرسوم جديد ينصف أبناء القرى السبع الشيعية في مرحلة تلي تسوية هذا المرسوم ليصار الى إصدار آخر.
وبناءً على ما تقدّم لم يرصد العارفون بعد أيّ ربط بين مواقف جنبلاط ضد العهد سوى في السياسة ومَن يرى ذلك يعتبر من باب التهجم على المملكة وليس جنبلاط، فزيارته للسعودية لا علاقة لها بالمنحى الذي اتّخذه الطعن ضد رئيس الجمهورية بدلاً من الطعن في مضمون المرسوم يدلّ الى أنّ القرار اتُّخذ من قبل أن تكون الزيارة. وهو موقف له ما يكفي لتبريره من أحداث الداخل وظروف تشكيل الحكومة وحصة الحزب التقدمي الإشتراكي منها ومشاريع «استهدافه» كما يؤكّد مسؤولو الإشتراكي قبل الحديث عن أيِّ عنصر خارجي.