كانت طرابلس على موعد، يوم الأحد في 19 نيسان الحالي، مع زيارة تاريخية يقوم بها بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي إليها، وهي الأولى له منذ تنصيبه بطريركا على عرش إنطاكيا. وكان من المفترض أن يلتقي خلال زيارته أبناء رعيته وقيادات المدينة، ويترأس قداساً في «كنيسة مار جاورجيوس» في الزاهرية، ثم يشارك في غداء تكريمي بمشاركة أطياف المجتمع الطرابلسي كافة.
وكانت أبرشية طرابلس الأرثوذكسية على وشك إنهاء تحضيراتها اللوجستية لهذه الزيارة التي كان من المفترض أن تمتد لثلاثة أيام، تبدأ يوم الجمعة في 17 نيسان بتفقد رعية الميناء، ثم ينتقل اليازجي السبت الى قضاء الضنية – المنية لزيارة القرى المسيحية، وتتوج يوم الأحد في طرابلس حيث يشرف اليازجي شخصياً على نقل رفاة المطران الراحل إلياس قربان من كنيسة «مار جاورجيوس» الى الكنيسة الملحقة بدار المطرانية الأرثوذكسية، وذلك بحسب وصية الأخير.
وقد أدى الاعلان عن هذه الزيارة الى تأجيل بعض النشاطات التي كانت ستقام في طرابلس بتاريخ 19 نيسان بهدف المساهمة في إنجاحها، وفي مقدمتها «بايك طرابلس الثاني» الذي تنظمه جمعية «سوشيل واي» بالتعاون مع هيئات محلية ودولية، والتي قامت بتأخيره الى الأحد في 26 نيسان الحالي.
قبل يومين رنّ جرس الهاتف في مطرانية طرابلس الأرثوذكسية وتبلغ أمين سرها من أمين سر مطرانية دمشق بأن «صاحب الغبطة» قرر تأجيل زيارته الرعوية في 19 نيسان، واكتفى المتصل بهذا القدر من دون تحديد الأسباب الموجبة لهذا التأجيل.
ويقول المطران إفرام كرياكوس لـ «السفير»: «لقد قمنا بكل التحضيرات ونظمنا كل شيء، ولكن وردنا اتصال مفاجئ ومختصر جداً، تبلغنا فيه برغبة البطريرك بتأجيل الزيارة من دون تحديد الأسباب».
وترك قرار اليازجي جملة من التساؤلات حول السبب الحقيقي وراء هذا التأجيل، خصوصا في ظل إيحاء البعض الى إمكانية أن يكون ناجماً عن مخاوف أمنية، وهذا بالطبع ينسجم مع حملة الشائعات التي تشهدها طرابلس منذ فترة حول حصول توترات جديدة. في حين نفى هذا الأمر لـ «السفير» أكثر من مصدر أمني وعسكري، وأكدوا أن الوضع الأمني في طرابلس جيد جدا ومستقر وممسوك، وأن الجيش والقوى الأمنية الأخرى يقومون بواجباتهم على أكمل وجه، وأن المدينة ستشهد خلال الاسابيع المقبلة العديد من النشاطات التي من المفترض أن تجمع الآلاف من المشاركين، ما يؤكد أن لا علاقة للوضع الأمني بتأجيل زيارة اليازجي إلى عاصمة الشمال.
وتقول مصادر كنسيّة أرثوذكسية مطلعة إن أكثر من سبب يمكن أن يكون دفع اليازجي الى تأجيل زيارته الى طرابلس أبرزها:
أولا، اضطرار اليازجي للبقاء في دمشق لإحياء الجمعة العظيمة والاحتفال بعيد الفصح مع رعيته، بما يدخل مزيدا من الاطمئنان الى قلوب المسيحيين هناك. بالإضافة إلى متابعته الدقيقة للمستجدات المتعلقة بالمطرانين المخطوفين يوحنا إبراهيم وبولس اليازجي، وانشغاله بالتطورات الأمنية في إدلب التي وقعت تحت سيطرة «جبهة النصرة» واختطاف الأب إبراهيم فرح وعدد من أبناء رعيته، وتهجير عائلات مسيحية منها.
ثانيا، إن اليازجي فوجئ بدعوات انهالت عليه من تيارات وقيادات سياسية في المدينة، سواء لزيارتها أو لاقامة استقبال أو غداء أو عشاء على شرفه، ما أدى الى إحراجه، خصوصا أنه يحرص على عدم إعطاء جولاته الرعوية أي طابع سياسي في ظل الانقسام العامودي الحاصل في البلاد.
ثالثا، قيام بعض المقربين بتقديم نصائح الى البطريرك اليازجي بضرورة تخصيص وقت أكبر لزياراته الراعوية للمناطق، ولقائه كل المكونات الطائفية في الأقضية الموضوعة على جدول زياراته، لافتين انتباهه الى أن طرابلس تحتاج الى أكثر من يوم من أجل التواصل مع قياداتها ومجتمعها المدني والأهلي من كل الاتجاهات والانتماءات بما يعزز الحضور المسيحي فيها، وكذلك في قضاء الضنية – المنية. لذلك فقد آثر اليازجي التأجيل لحين وضع برنامج مستقل وموسع لزيارة كل قضاء بمفرده، ومن ثم تخصيص أكثر من يوم لطرابلس والميناء.
وتشير مصادر كهنوتية الى أن الهدف من هذه الزيارة بروتوكولي، حيث يقوم كل بطريرك بعد انتخابه بزيارة الأبرشيات التابعة له على غرار ما قام به البطريرك الماروني بشارة الراعي، مؤكدةً أن اليازجي تأخر عن القيام بهذه الزيارات بسبب الظروف الصعبة التي يواجهها منذ انتخابه، وخصوصا قضية المطرانين المخطوفين وما يتعرض له المسيحيون في سوريا والعراق.