Site icon IMLebanon

ثقافة «الصرامي» تنتصر على ثقافة «صار الوقت»!  

 

 

عجيبٌ غريب… ما يحدث في لبناننا اليوم… اللبنانيون الذين باتوا على قارعة جهنم… قادهم حظهم مساء الخميس الى مشاهدة واقعة جديدة عنوانها «منطق الصرماية». فلقد انفجر التشنّج السائد في البلاد، ضمن حلقة «صار الوقت» وخلال مشادّة بين الزميل والوزير السابق وئام وهّاب، رئيس حزب التوحيد، والزميل سيمون أبي فاضل بعد أن استخدم الزميل والوزير السابق وئام وهّاب لغة «الصرامي»، فأتاه رد الزميل سيمون أبو فاضل «أنت حرّ بعلاقتك أنت وصرمايتك» ليرميه الوزير السابق وئام وهّاب بكأس ماء، وليوجه أبو فاضل صفعة الى وجه وهّاب، و»هات هدّي الناس» من مرافقين وحاضرين ويا للهول… أو فلأقل يا للبهدلة… وأكثر من «هيك شرشحة ما في».

 

المشهد يعكس بصورة واضحة حال التشنّج بين اللبنانيين، كما يعكس عودة الى الطبقات السفلى من جهنم التي وعدهم بها رئيس «العهد القوي» السابق ميشال عون… وها هم اليوم يكملون الطريق، انحداراً في طبقات «جهنم».

 

لقد بتنا نحن في لبنان، نكره الحوار إذا لم تكن لنا فائدة منه… إنه برأيي حوار طرشان… وفي حوار الطرشان لا مكان للعقل أو المنطق، بل هو إشباع للنرجسية الانسانية واتباع هوى القلب والرغبة في الانتصار… حتى ولو كان هذا الانتصار زائفاً.

 

يقول علماء النفس في هذا المجال: «في حوار الطرشان تُسَدّ كل مداخل العقل، وتُفْتَح نوافذ تغذي رغبة نفوسنا بالانتصار «الصّفري» أي أنه لا مكان للآخرين، فعالم الأفكار مرتبط بشكل مباشر مع عالم المشاعر».

 

وَلأعُدْ الى ما حدث في برنامج «صار الوقت» الذي يقدّمه الزميل مرسال غانم… فالبرنامج سياسي اجتماعي اسبوعي يقدّم على شاشة الـMTV ومن المفروض أن يناقش أهم مواضيع الساعة تحديداً في لبنان، ثم يمكن أن يتطرّق الى قضايا عالمية.

 

ويمكن من خلال ما حدث سرد النتائج التالية:

 

أولاً: إنّ فكرة الحوار التي بُنِي عليها البرنامج، فكرة جيدة ولا شك، وهي مستحبّة… وقد يكون لبنان بحاجة إليها. وفكرة الحوار ضرورية في ظل الشغور الرئاسي، وبعدما سُدّت كل الطرق للتوصل الى حل. ولكن ما حدث مساء الخميس يدل على ان كل البرامج الحوارية في الاذاعات ومحطات التلفزة وفي أي مكان آخر، يجب أن تتوقف، والسبب أنّ الجمهور اللبناني لم يعد مؤهلاً لسماع هذا الحوار… ولأنّ الحوارات باتت تعكس حال التشنّج والتفلّت والتعصّب التي يعيشها اللبنانيون.

 

ثانياً: بما أنّ الحوارات ليست مبنيّة على موضوعية تامة، وبما أنّ الجمهور اللبناني غير مؤهل لمثل هذه الحوارات، فلماذا نجمع المتخاصمين في مكان واحد، وفي ظل وجود أسلحة… من هنا أقول: إنّ أي حوار حالياً، في ظلّ وجود سلاح… لن يكون مجدياً، وقد يؤدي الى عواقب وخيمة.

 

ثالثاً: صحيح ان الزميل الوزير السابق وئام وهّاب اعتذر من السيدّ ميشال المر ومن الزميل سيمون أبو فاضل ومن إدارة «صار الوقت»… وهذه خطوة جيدة نقدّرها له… ولكننا نتساءل: لو لم يُقْدِم الوزير السابق على تقديم اعتذاره.. أو لو كان هناك محاور آخر غير الوزير وئام وهّاب ورفض الاعتذار… ماذا كان سيحدث؟ وهل يمكن أن تكون نهاية هذا الحادث كما جاءت مساء الخميس؟

 

رابعاً: الخلاصة أنّ هناك تكاذباً واضحاً… فلا حوار في ظل وجود السلاح… ولنعترف بالحقيقة: ما دام السلاح موجوداً فنحن لسنا مؤهلين لأي حوار. لقد صار لبنان في ظلّ السلاح قاصراً، ولم يعد قادراً على إيجاد الحلول لقضاياه العالقة… ولأنّ الأمر كذلك… يجب أن نعترف وبصراحة تامة، ان علينا الانتظار حتى تُـحَلّ قضية السلاح… إذ ذاك يمكن لنا أن نتحاور بجدية وموضوعية وثقة بالتوصل الى الحلول التي تعود بالنفع على وطننا ومواطنينا.

 

وأعتقد أخيراً… أنّ هناك خطأ فادحاً حدث مساء الخميس، بل يمكن القول إنه كان خطيئة… حين «جُمِعَ الأضداد» على طاولة حوار واحدة داخل «الاستديو» وسط وجود مرافقين داخل الاستديو وخارجه… ما أدّى الى الاستقواء بهؤلاء، فخرج الحوار عن أهدافه وأدّى الى ما أدّى إليه.

 

فلْيتقِ الله، أصحاب البرامج… وليبتعدوا عن كل ما يؤدي الى إشعال الفتنة بدل وأدها… وليرحم الله لبنان من هذا المنزلق الخطر الذي حُشِرَ فيه… حتى تهاوى في قعر جهنم التي قادوه إليها، وَغَذّوها بالطائفية والمذهبية والتعصّب الأرعن الذي لن يؤدي في نهاية المطاف إلاّ الى الانهيار الشامل والتام.

 

وأضيف أخيراً… أنّ ما حدث كان يرمز الى ثقافة وتفكير ما يطلق عليه تفكير «جماعة المقاومة والممانعة»… كما لا يمكن أن نعفي مرسال غانم من المسؤولية، فهو مُلامٌ أيضاً لدوره خلال الحوار من تأجيج الخلاف بين المتحاورين.