IMLebanon

ويكيليكس» المشنوق: ملامح خلط أوراق

يسأل كثيرون عن اللغز الذي يكمن في موجة المواقف المفاجئة والمعلومات التي أطلقها الوزير نهاد المشنوق، من ملف الرئاسة إلى العلاقات مع السعودية إلى غير ذلك. وهل كان يعزف منفرداً، وما هو سرّ الصمت الذي يلتزمه الرئيس سعد الحريري؟

لم يعلّق الرئيس سعد الحريري حتى اليوم، لكنّ المشنوق بادر إلى التغريد عبر «تويتر»: «صحيح أنني لا أمثل «المستقبل» في ما قلته، لكنّ كلامي يمثّل الضمير المستتر لـ«المستقبل»، وقد حان الوقت لقول الوقائع كما هي ومن دون مواربة».

وعندما يقول المشنوق هذا الكلام عن «المستقبل» يكون له موقعه، لأنّ الرجل «من أهل البيت»، وهو وزير «المستقبل» حتى الساعة على الأقل، ولم يصدر عن التيار ما يُوحي باستياء منه، فيما اكتفى النائب عمار حوري بالقول إنّ كلام المشنوق هو تحليل شخصي.

وعدم اعتراض الحريري بوضوح على مواقف المشنوق يستتبع سؤالاً ثانياً: إذاً، هل إنّ المشنوق «يبقّ البحصة» التي لا يريد أن «يبقّها» الحريري. وهل تمّ ذلك بعلمٍ منه أو لا؟

إذا واصل المشنوق إطلاق المواقف وكشف المعلومات، فسيكون على «المستقبل» أن يعلن موقفه منها. وتأييدها يعني أنّ «التيار» قرَّر انتهاج سياسة داخلية وخارجية جديدة، وأما رفضها فيعني أنّ وزيراً ثانياً لـ»المستقبل»، بعد اللواء أشرف ريفي، قد بدأ «يستقلّ».

ولكن، لا يجوز التسرّع في الاستنتاجات. وتنصح مصادر «المستقبل» بعدم التوغّل في تحليلات حول هذه المسألة، لأنّ الأمر سيكون موضع معالجة في داخل التيار.

لكنّ الواضح أنّ القوى السياسية كلها، و»المستقبل» منها، هي اليوم في صدد مراجعة عميقة لما شهدته الانتخابات البلدية من نتائج، وستدقّق في الأرقام والحيثيات التي أوقعت في الهزائم أو أدّت إلى الانتصارات، لأنّ المرحلة المقبلة ستُبنى على أساس هذه المتغيّرات.

وقد أثبتت القراءة السياسية لنتائج الانتخابات البلدية على مستوى الأحزاب والطوائف والمناطق، أنّ هناك مرحلة جديدة سيدخل فيها لبنان وستعيد خلط الأوراق السياسية. وسريعاً، فور انتهاء الانتخابات، بدأ كلّ طرف مراجعة حساباته استعداداً.

ويعتقد البعض أنّ المشنوق بادر بعد الإنتخابات مباشرة إلى توجيه الرسائل التي تتجنّب قيادة «المستقبل» توجيهها في اتجاهات إقليمية، والتي تُعبّر عن امتعاض واضح. ووفقاً لهؤلاء، إنّ الانطباع الذي تركه كلام المشنوق هو الآتي: ما الفائدة من الاستمرار في الصمت عندما تكون الخسائر قد وقعت؟

ولكن، أيّاً يكن الأمر، سواءٌ بوجود تنسيق بين قيادة «المستقبل» ووزيره في الحكومة أو من دون هذا التنسيق، فالواضح أنّ رسالة معيّنة قرَّر المشنوق إعلانها فور انتهاء الانتخابات البلدية وما أدّت إليه من نتائج صادمة في مناطق عدة، بالنسبة إلى «المستقبل».

وهذه الرسالة يوجِّهها المشنوق إلى المعنيين بالأصالة عن نفسه، ولكن ربما أيضاً بالوكالة عن التيار الذي يمثله في الحكومة. وفي أيّ حال، إنّ هذه الرسالة ليست بالتأكيد مجرّد مغامرة أو صدفة أو زلّة لسان، بل تمّ التحضير لإطلاقها في الوقت المناسب.

لقد خرَج المشنوق، على المستوى الشخصي، بإنجاز إجراء الانتخابات البلدية، من دون أيّ إشكالات إدارية أو سياسية، ومن دون «ضربة كف» أمنية. وهذا الأمر أدى إلى إلغاء الصورة التي كانت قائمة حتى تاريخه، والقائلة إنّ هناك ظروفاً قاهرة تمنع الاستحقاقات الديموقراطية وأنّ لبنان مهدّد بالفتنة إذا غامر بالانتخابات.

وقد تجاوب المشنوق مع المجتمع الدولي الذي حرص على تسهيل إجراء هذه الانتخابات لتجديد السلطات المحلية، النواة الأساسية في عملية التنمية. وهو قام بهذه المهمة، كما تولّى سابقاً ملفات أمنية أخرى تعاطت معها وزارة الداخلية، كملف الإرهاب وملف الحراك المدني. وعلى رغم صورته كـ«صقر» في تيار «المستقبل»، فإنه أقام ارتباطاً واقعياً مع خصوم الحريري كـ»حزب الله».

ومرّت الإنتخابات البلدية من دون عوائق، فيما كان كثيرون يعتقدون أنّ مغامرة الإقدام على الانتخابات قد تكون مناسبة للجماعات الإرهابية لكي تستغلّ هذه الثغرة لافتعال فتنة أهلية، خصوصاً في المناطق المهدَّدة بالتفجير كعرسال وطرابلس وصيدا- عين الحلوة.

قبل الانتخابات البلدية، قيل أيضاً إنّ الجيش اللبناني سيكون تحت الضغط في حال إجراء الانتخابات، وإنه ربما يعجز عن ضبط الوضع إذا اندلعت شرارة الفتنة بشكل مفتعل في أيّ منطقة لبنانية. ولكن، ربح الجيش هذا الرهان عبر قائده العماد جان قهوجي. وفيما الانتخابات أفرزت رابحين وخاسرين في الصناديق والمقاعد البلدية وفي السياسة، أفرَزت رابحاً على المستوى الأمني هو قهوجي.

وفي ضوء المعطيات التي أفرزتها نتائج الانتخابات البلدية، برَز الخلط الجديد للأوراق الرئاسية كجزء من عملية خلط الأوراق الشاملة في أيّ تسوية محتملة. ويبدو أنّ أوّل شروطها هو قيام المشنوق، بوضوح، بإحراق ورقة النائب سليمان فرنجية.

وقد يكون المشنوق فعل ذلك بمبادرة فردية منه، أو بالتنسيق المبطّن مع قيادة «المستقبل» التي تبدو «محشورة» في الكلام الذي أطلقه وزيرُها، والذي أوحى فيه بأنّ ترشيح فرنجيه لم يكن خيار «المستقبل»، بل جرى تسويقه من بريطانيا، فالأميركيين فالسعودية.

والواضح أنّ إحراق فرنجية رئاسياً يجعله مساوياً للعماد ميشال عون، المحروق أيضاً، ما يعني أنّ هناك معطياتٍ جديدة بدأت تظهر في الملف الرئاسي نحو واحد من اتجاهين: إما إحراق المرشحين الأساسيين المعلنين بهدف تكريس الفراغ الرئاسي لمرحلة طويلة، وإما إحراقهما لإنضاج المرشّح الجدّي الذي يمكن أن يصل عملياً إلى بعبدا.

وهناك مَن يعتقد أنّ الرئيس المقبل سيكون حتماً من خارج لعبة الترشيحات السياسية المعلنة، وأنه سيكون من خارج اصطفافَي «8 و14 آذار» اللذين لم تكن تنقصهما إلّا الانتخابات البلدية لإثبات أنهما «أنهيا خدمتهما العسكرية».

وبعد الانتخابات البلدية، لم يعد أحد يستطيع المطالبة بأن تكون ثنائية «8 و14 آذار» أساساً لأيّ تسوية ظرفية يمكن أن تنشأ، على غرار ما كان عليه الأمر في اتفاق الدوحة. فهذان الفريقان أُصيبا بالتشرذم التام، وبات كلّ طرف يعمل منفرداً لضمان مصالحه في اللعبة خارج إطار التحالفات.

والسجال الدائر بين «المستقبل» و«القوات اللبنانية» بعد الانتخابات البلدية هو أحد نماذج التشرذم، ويقابله تشرذم على خطوط كثيرة بين الحلفاء في «8 و14 آذار». وتبيّن أنّ إجراء الانتخابات البلدية كان مفيداً في تحريك الجمود السياسي ودفع الجميع إلى الاعتراف بالوقائع والمعادلات السياسية الجديدة.

لقد فجّر المشنوق قنبلته الصوتية في ما يتعلق بخلفيات ترشيح فرنجية فأصاب ملفين: الملف الرئاسي، وملف العلاقات بين «المستقبل» والرياض. ويتوقع بعض المتابعين أن تكون هناك تردّدات جديدة في الملفين.

ولا بدّ أن يستتبع «ويكيليكس» المشنوق سيلٌ من المواقف والمعلومات المفاجئة، من أطراف أخرى على الأرجح. فالجميع مصابٌ بالإرباك ولا يمكنه السكوت لئلّا يُعطى سكوته تفسيرات لا يريدها.