Site icon IMLebanon

ليس للمفترس شريك… طرائد فقط

 

 

«شرم برم والناس غافلة والغفلة عل الأفهام قافلة والكذب لعلع في الحفلة وأكثر السامر مساطيل حالتنا ما تسِرّش إنسان وحالنا يصعب على الغلبان لكن يا خلق علينا لسان لو جرّيناه ع الصلب يسيل السوس نخر سقف العشّة وعضمة الغنمات هشة عايزين صابونة ومقشة وهات يا كنس وهات يا غسيل يا بلدي مشوارنا طويل» (أحمد فؤاد نجم)

«فريدريك غوستاف إميل مارتن نيمولر»، لاهوتي ألماني كان معروفًا بمعاداته للنازية وقسّ لكنيسة لوثرية اشتهر بقصيدته «أولًا جاؤوا». فعلى رغم من كونه وطنيًا محافظًا، ومؤيّدًا في البداية لأدولف هتلر، لكنه بعد ذلك أسّس كنيسة الاعتراف، التي عارضت إعطاء المسحة النازية للكنائس البروتستانتية في ألمانيا. عارض نيمولر سيطرة الدولة على الكنيسة، وسُجن لأجل ذلك في معسكرات الاعتقال النازية من 1937 إلى 1945 ونجا من الإعدام بصعوبة. بعد فترة سجنه، أبدى أسفه لأنه لم يفعل ما يكفي لأجل ضحايا النازية، وبدأ في خمسينات القرن الماضي مشواره كداعية سلام ومعاد للحروب، كما نادى بنزع السلاح النووي.

 

قال مارتن نيمولر في قصيدته الشهيرة:

«في ألمانيا، أولا جاؤوا للشيوعيين، لم أبال لأنني لست شيوعيًا

وعندما اضطهدوا اليهود، لم أبال لأنني لست يهوديًا

ثم عندما اضطهدوا النقابات العمالية، لم أبال لأنني لم أكن نقابيًا

بعدها، عندما اضطهدوا الكاثوليك، لم أبال لأنني بروتستانتي

وعندما اضطهدوني أنا… لم يبق أحد حينها ليدافع عني».

 

رواية الثيران الثلاثة والأسد تمثل الترجمة الموازية لقصيدة نيمولر، تقول الرواية:

«خرج الأسد يبحث عن طعام ليسد جوعه. انتظر طويلًا متربّصًا، حتى أطلّ عليه ثلاثة ثيران. لم يقدم الأسد على مواجهة الثيران الثلاثة لعلمه أنه سيهزم إن تعاونوا عليه. اقترح عندها على الثيران أن يصبحوا أصدقاء له، فقبلوا لظنهم بأنهم سيكونون تحت حمايته من الضواري الأخرى في الغابة.

 

قاد الأسد أصدقاءه الثلاثة إلى الغابة حيث العشب الوفير، فانفرد بالثور الأسود وقال له: «إن الثور الأبيض يختلف في لونه عن حيوانات الغابة، مما يعرّضنا جميعًا للخطر من هجوم محتمل في الليل، حيث أن بياضه لا يسمح لنا بالاختفاء عن أنظار أعدائنا». ثم اقترح على الثورين الأسود والأحمر أن يقضيا على الثور الأبيض. إستحسَن الثوران هذا الرأي وقاما معاً بالقضاء على صديقهما، وبعد قضائهما عليه افترسه الأسد أمام أعين رفيقيه. في يوم من الأيام، بعد أن جاع من جديد، انفرد الأسد بالثور الأسود وقال له: «إن الثور الأحمر يشكل تهديدًا عليك بسبب لونه اللامع فمن الأفضل التخلّص منه، بهذا سيخلو لك الجو في هذه الغابة تفعل فيها ما تشاء لتأكل كل العشب لوحدك». قتل الثور الأسود زميله الأحمر. وافترس الأسد بعدها الثور الأحمر.

 

في يوم من الأيام قال الأسد للثور المتبقّي «لقد عَضّني الجوع». وهنا، وقبل أن يفاتحه الأسد في رغبته، أحسّ الثور بمصيره المحتوم، فقال في حسرة: «لقد قُتلت يوم قتل الثور الأبيض».

 

«ما أكثر العِبر وقلة المعتبرين»، فمن ينظر إلى تاريخ مشروع ولاية الفقيه الحديث، يمكنه بسهولة استنتاج ما هي نهاية زواج المتعة معه. فقد قضى هذا المشروع بسرعة مذهلة على كل حلفائه في إيران بعد سنتين من انطلاق انقلاب الخميني، في سبيل توحيد السلطة تحت لواء الحاكم «حامل الشرائط» ووكيل صاحب الزمان. وبالتالي، إلغاء أي احتمال لتعددية سياسية، حتى وإن كانت على شكل الائتلاف. فالحكم المُستنِد إلى عالم الأساطير لا يحتمل وجود معارضة جدية، تنتقد وتناقش وتفرض المشاركة في القرار، أو تطالب بتسويغ الأمور المطروحة، لكن خارج المسوغات الماورائية. لكنّ المنطق هو عدو الأساطير، والإلهام الآتي من الأساطير هو وحده مصدر التشريع لدى الحاكم الأوحد الذي لا شريك له، إلا ما يوحى له من عالم الغيب! ومن يظن أن التحوّل في إيران كان وديًا وطوعيًا، عليه أن يعرف أن هذا التحول كان عظيم العنف، كلّف الشعب الإيراني عشرات آلاف القتلى، إما بالاغتيالات أو عن طريق «محاكم التفتيش» الخمينية، التي تولّاها، وكوفِئ من أجلها، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحالي. وكما كان شعب ألمانيا المأخوذ بعظمة الفوهرر، كذلك في إيران المأخوذة بعظمة الولي الفقيه، كانت كل فئة يتم استهدافها، تتنصّل منها الفئات الباقية، وأحيانًا كانت تفرح وتهلل لأنها تخلّصت من منافس لها. في المحصّلة لم يبق أحد لنجدة الثور الأسود.

 

في لبنان، تم افتراس الثور الأبيض باغتيال قراره وزعامته السياسية، جسديًا وعمليًا، بتواطؤ دنيء من الأحمر والأسود. ومن ثم، تشجّع الثور الأسود، بحكم نجاحه في المؤامرة على أخيه الأبيض، لكي يبتلع الثور الأحمر، فافترس دوره السياسي الذي أصبح في جيب المفترس الراكب على ظهر الثور الأسود. والآن، فإنّ الثور الأسود يتم تحضيره للتضحية به على مذبح المشروع الاستراتيجي لمفترس إقليمي يشغل المفترس المحلي. كلام حسن نصرالله الأخير يؤكد استعداده للتضحية بالثور الأسود الذي يسمّيه جمهوره، وفي المقابل يعده بالشهادة والجنة. فالمشاريع الاستراتيجية لمفترسي المنطقة والعالم لا تحسب حسابًا لآلاف قتلوا، أو ملايين هجروا، أو بيوت وقرى تمّ مسحها عن الخريطة. ومن لا يصدق فلينظر إلى سوريا وأوكرانيا، وليتذكر من تنفعه الذكرى، إن بقي ممن هم ذوي ألباب، ما حصل سنة 2006 من موت ودمار وتهجير. يومها استقبل الثور الأبيض والأحمر أخيهم الأسود بحكم الأخوة ولم يتنصّلا منه، لكن العالم كان غير عالم، وكان الأبيض يظن نفسه حيًا والأحمر يعتقد أنه متحكّم ومدعوم. ولمن يتذكر أيضًا، فقد هبّت شعوب المنطقة والعالم لنجدة ومعونة الثور الأسود بالمساعدات وإعادة الإعمار.

 

قد يظنّ الثور الأسود اليوم أنه بركوب المفترس على ظهره، وبتقديمه آلاف الضحايا من أبنائه على مذبحه، بأنه استولى على مرعى العشب الذي كان يتشارك به مع الآخرين، لكن هذا المرعى اليوم قد احترق، وما بقي منه ستحرقه الحرب حتمًا إن. ومن يقول إنّ الموت في الحرب أشرف من الموت جوعًا، فالحرب تأتي بالموت والجوع والدمار، بالإضافة إلى ذل التشرّد واللجوء! يكفي اليوم أن ننظر إلى ما حصل في البلدان والشعوب التي حلت عليها لعنة الحرس الثوري، في العراق واليمن وسوريا ولبنان لنستنتج بعض الحقائق. قد يظن البعض أن ما سبق ما هو سوى تحريض لئيم من ثور خسر قرونه، ولا بأس، لكن إن بقي بعض ذوي الألباب فما عليهم إلا التفكير بالأمر.